رأي

تجليات سياسية رياضية.. في المملكة العربية السعودية

كتب عبدالله بشارة في صحيفة القبس.

في عام 1974 توجهت إلى البرازيل كأول سفير لدولة الكويت لدى جمهورية البرازيل، وبعد الوصول بأيام قليلة تمت ترتيبات تقديم أوراق اعتمادي لرئيس الجمهورية، وهو رجل عسكري صارم، فدخلت عليه، وفق تعليمات البروتوكول، ومعي الشيخ مبارك جابر الأحمد، الذي كان دبلوماسياً في وفد الكويت للأمم المتحدة، حيث كنت المندوب الدائم، وكان وزير خارجية البرازيل حاضراً حفل تقديم أوراق الاعتماد، وكنت مخططاً للحديث عن العلاقات بين البلدين في مجال النفط والاكتشافات في المحيط الأطلسي التي كانت من الاهتمامات الكبرى للبرازيل.

لم يترك لي الرئيس مجالاً للحديث، فبعد ترحيبه واستماعه إلى مشاعري حول تطوير العلاقات، طلب من المترجم أن يسألني عما إذا شاهدت أكبر ملعب لكرة القدم في العالم، ومع السؤال أجبت بأنني لم يسبق لي زيارة الملعب الموجود في مدينة ريو دي جانيرو، بينما نحن كنا في العاصمة الجديدة برازيليا، فما كان من الرئيس إلا أن أصدر أمراً بأن أذهب مع مندوب المراسم لحضور مباراة لكرة القدم بين فريقين في الدوري البرازيلي.

لم أكن سعيداً لهذا الترتيب، حيث سأقطع برنامجي في العاصمة لرؤية معلم مشهور لأهل الرياضة.

وانسجاماً مع توجيهات الرئيس، ركبنا الطائرة ومعي الشيخ مبارك الجابر ومندوب الرئاسة، إلى مدينة ريو مباشرة وإلى ذلك الملعب الضخم.

شاهدت مستوى عالياً من فنون الكرة، ولا أنسى أحد نجوم البرازيل في ذلك الوقت واسمه رفلينو Refelino، يتلاعب بالكرة وكأنه راقص باليه في فرقة البولشوي، وتدور الأيام وأقرأ بعد سنوات أن هذا الفنان، الذي يغرد بقدمه، ينتقل إلى الرياض ليلعب في الدوري السعودي.

كان ذلك في السبعينيات، وحالة الرياضة غير ما نعرفها اليوم، الذي تصاعدت فيه الجاذبية الرياضية، حيث أغرت البرتغالي كريستيانو رونالدو، وبعدها تتسع الأبواب مرحبة بأشهر اللاعبين الفرنسي ــ الجزائري بنزيمة، والساحر البرازيلي نيمار مع الهلال قادماً من بطل الدوري نادي باريس سانت جيرمان.

وأظل متابعاً مفاجآت المملكة، التي انتقلت من حياة تسيدها الهدوء والرتابة إلى موطن المفاجآت والتجديدات وفي كل المسارات، وبجميع الوسائل، وبقدرة على التكيف والاستيعاب، ومن دون مفاخرات إعلامية، لكن مع إدراك جماعي بأن المملكة ليست تلك التي تسير بخطوات متأنية وبطيئة وحذرة، كما عشنا فيها في الثمانينيات من القرن الماضي، وإنما شيء آخر شق الأرض، وانطلق حاملاً طموحاً غير عادي، تولد من عوامل عدة، وأبرزها ثلاثة، إرادة قيادية عانت من مناخ الجمود والرتابة والبيروقراطية، تملك جهازاً رادارياً مملوءاً بمحتويات التجديد والتطور والابتكار، وشعباً متحفزاً للحداثة ومتعطشاً لخريطة التجديد التي رسمها سمو ولي العهد، ووفرة مادية مساندة قوية لاستيعاب القادم، وثالثها توظيف الإمكانات البشرية والمادية والطاقات الفكرية التي يتمتع بها المجتمع السعودي، لا سيما الأغلبية الشبابية المتحمسة لرؤية المملكة في قائمة التفوق.

ومن الواضح أن النهضة الحديثة التي تعيش فيها المملكة لا تنحصر في التعليم والاقتصاد والتنمية، وإنما هي قفزة جماعية واسعة تضم جميع السكان، تعانق مواهبهم، وتستفيد من حماسهم، ومن سعيهم للمشاركة، فالعطاء ليس محصوراً في حلقة صغيرة من القيادة، وإنما أبواب التجديد واسعة مع السعي لضخ مبتكرات التكنولوجيا وملاحقتها أينما تكون.

ومن هذا المشهد المتألق في تجديداته والمتدفق في حيويته التي لا يمكن صد موجاتها، أو منعها من السطو على الميدان الرياضي، الذي كان خليجياً باحثاً عن التفوق، ضمن ما تسمح به الإمكانات الوطنية، وفجأة نقرأ يومياً عن مسلك رياضي غير الذي عرفناه، فيتسلل صندوق الاستثمار والادخار الوطني السعودي إلى تموجات كرة القدم، ومع طاقاته ووفق خطة ترويض الكرة نحو مسارات الاستثمار، وفجأة تهبط على ملاعب الكرة السعودية مهارات كروية محترفة كلها كواكب في سماء الرياضة في أوطانها وفي أنديتها، وتتحول الأندية السعودية نحو سباق في ما بينها لكي لا يتمتع بالحصاد عدد محدود، وإنما الطريق منفتح لمن يتقبل الانخراط في العالم الجديد للرياضة في المملكة العربية السعودية.

فهؤلاء النجوم بفواتيرهم الباهظة ليسوا فقط للمتعة والإثارة، وإنما هم تشكيلة من المواهب يتعلم منها أبناء المملكة وغيرهم، حيث سيكون الدوري السعودي محمولاً بالتكنولوجيا إلى أبعد زوايا الكرة الأرضية، ومع مرور الوقت سيكون الدوري السعودي قادراً على تفريخ لاعبين غير عاديين مثل حالة نجوم زوار اليوم.

ومن دون شك، فإن قيادة المملكة تسعى لأن يكون التحرك شاملاً ومن دون انتقائية، وإنما بشمولية اقتصاداً وثقافة ورياضة وتكنولوجيا وتعليماً، ومن الحصاد الجماعي المستقبلي تتزين المملكة بواقع يضعها ضمن القيادات في موكب الإدارة للشؤون العالمية.

لا جدال أن المملكة لن تتوقف للتقييم حول الربح والخسارة، فالقرار نحو اللحاق من دون التفاف للخلف، فمن يتابع مسار المملكة واتساع طموحاتها وعزيمة قيادتها وشمولية نهضتها سيدرك أن دول مجلس التعاون ستتحول نحو المؤازرة تجاه اقتناص الفرص المناسبة من التنوعات التي سيوفرها مسار المملكة، ليس في الرياضة فقط، وإنما في كل الدروب، بما فيها الجانبان الاجتماعي والرياضي، فشبكة التأثير في الاقتصاد وفي البنية الاجتماعية والرياضية أسهل كثيراً من قضايا السياسة وتعقيداتها وأبعادها على الحياة في مجلس التعاون.

ورغم انشغال القيادة السياسية السعودية بمتطلبات برنامج التحول الشامل بما فيها أحداث الرياضة التي التحقت بالمسارات الأخرى مؤخراً، نتابع النشاط السياسي السعودي المتنوع في موضوعاته والمتباعد في جغرافيته، بالطاقة التي يحملها سمو ولي العهد في تتابع لقاءات القمم من خليجية وعربية وإسلامية وآسيوية، ثم اجتماع آخر يضم أربعين دولة حول أوكرانيا في مسعى لتشكيل قوة ضاغطة لحلول سياسية كبديل عن معارك الدمار المتواصلة، وفوق ذلك الانشغال، كان الاهتمام بواقع سوريا واستحضار الأمل حول دولة فلسطينية والالتفاف إلى الحرب الأهلية السودانية، مع متابعة الحوارات مع إيران وعن محنة لبنان و«حزب الله»، وعلاج الحروب في اليمن، واستقبال مبعوثي الولايات المتحدة وأوروبا..

هذا سجل عن تقاسيم خريطة العمل في المملكة العربية السعودية، وتأثيراتها على الشركاء في مجلس التعاون، وعلى الإقليم العربي والبعد الخارجي، هنا ثلاث لوحات وضعها سمو ولي العهد على أبواب المملكة، عزم لا يلين ولا يتوقف، في سباق الالتحاق بتجمع مجموعة الدول المتقدمة، وتسخير ما يتوافر من مال وجهد وإمكانات بشرية لتحقيق الأهداف التي تبشر بها خطة العمل، وثالثها، جماعية الانطلاق حيث يلتحق بموكب النهضة جميع فئات المجتمع، واللوم على من يتردد ومن يتأخر.

الدولة السعودية على عجل في حاضرها والقناعة في حصادها وبإيمان في مستقبلها، وعلى وعي في تأثيرها علينا وعلى الآخرين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى