رأي

العلاقات الايرانية ـ السعودية تتأرجح على وقع العدوان على اليمن والمفاوضات النووية

كتب الباحث في الشأن الايراني صالح القزويني في “رأي اليوم”: بون شاسع بين التصريحات التي يطلقها اليوم كبار المسؤولين السعوديين حول العلاقات مع ايران، وبين تلك التي كانوا يطلقونها خلال حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
أقوى تصريح أطلقته الرياض تجاه طهران هو الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في الرابع عشر من الجاري، عندما أعلن أن بلاده تمد يدها لايران، فالتباين واضح وجلي بين ما أعلنه وزير الخارجية السعودي الحالي وبين ماكان يعلنه وزير الخارجية السابق عادل الجبير، فكان الجبير يرفض عودة العلاقات ويرفض اية وساطة في هذا الصدد، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف يعلن مرارا وتكرارا أن يد طهران ممدودة للرياض.
لاشك ان وزير الخارجية الايراني الحالي حسين أمير عبد اللهيان لم يرد على بن فرحان بما رد به الجبير على ظريف، كما أن الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي أعلن في أول مؤتمر صحفي عقده بعد فوزه في الانتخابات عن ترحيبه بعودة العلاقات داعيا الى ضرورة فتح سفارات البلدين كخطوة أولى لعودتها.
وغير خاف على أحد أن الملف النووي والعلاقات الايرانية – السعودية من أكبر القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على أوضاع المنطقة، ولا نبالغ اذا قلنا ان المنطقة ستشهد الاستقرار النسبي اذا تمت تسوية هذان الملفان، إلا انه فيما يتعلق بالعلاقات السعودية – الايرانية فهناك حقيقتان هامتان لا ينبغي تجاهلهما في أية عملية تقييم لواقعها، هما:
الأولى: العدوان على اليمن
بغض النظر عما يقال أن الرياض قررت قطع علاقاتها مع طهران، بعد الهجوم على سفارتها واضرام النار فيها، إلا أن السبب الحقيقي وراء قطع العلاقات هو العدوان على اليمن، فلم يكن بالامكان أن تبدأ السعودية حربها ضد اليمن بينما كانت تربطها علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية مع ايران، خاصة اذا ما عرفنا أن السعودية بدأت تروج لمقولة ان الهدف من الحرب على اليمن هو اخراج الايرانيين وانهاء المد الايراني في اليمن، فكيف كان يمكنها تبرير حربها على اليمن مع وجود العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع ايران؟
بدأت الآمال تنتعش بعودة العلاقات الايرانية – السعودية الى سابق عهدها مع انطلاق جولات الحوار بين البلدين بوساطة عراقية في العاصمة بغداد، ولكن هذه الجولات اصطدمت وتوقفت بقضية العدوان على اليمن، السبب في توقفها يعود الى أن الجانب السعودي طلب من الايراني ممارسة الضغوط الشديدة على اليمنيين وارغامهم على القبول بالشروط التعجيزية لوقف العدوان، ولما رأى الايراني انه من المستحيل فرض تلك الشروط على اليمنيين دعا السعودي الى أن يطرح شروطه على اليمنيين بشكل مباشر ومن خلال اجراء مفاوضات ثنائية بين الطرفين، الأمر الذي رفضه الجانب السعودي.
بعد وفاة السفير الايراني في اليمن حسن ايرلو، وكذلك زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الى طهران والتصريحات التي أطلقها حول الوساطة العراقية لعودة العلاقات الايرانية السعودية، جرى الحديث مجددا حول المحطة التي وصلت اليها هذه العلاقات، غير أنه لن تشهد المحادثات بين البلدين أي تطور حقيقي ما لم يتوقف العدوان على اليمن، وبما ان العلاقات انقطعت مع بدئ العدوان فينبغي أن يتوقف لتعود لكامل طبيعتها.
الثانية: المفاوضات النووية
شئنا أم أبينا فان علاقات ايران مع الدول التي لديها علاقات وثيقة ومصالح مشتركة مع الغرب تتأثر بمدى الهدوء أو التوتر الذي تشهده علاقات ايران مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، واذا كانت البراغماتية تقتضي من الدول رسم علاقاتها مع سائر الدول وفق مصالحها المشتركة، فان هذه القاعدة لا تجري في عالمنا الثالث، بل اضحى من المثالية أن تدعو دولة في عالمنا دولة أخرى الى رسم العلاقات في منأى عن ضغوط وسياسات الآخرين.
ولا نبالغ اذا قلنا، ان من المثالية أن تطالب ايران دول المنطقة بأن تقيم علاقاتها معها في منأى عن الضغوط الأميركية، فهذه الدعوة عجزت الدول الأوروبية التي تعتبر بعضها من القوى العظمى، عن تلبيتها، فما بالك بدول ربطت مصيرها بمصير الحكومات الأميركية؟
وفي هذا الاطار تصاعد التوتر بين ايران والسعودية بعد مجيء ترامب للسلطة وانسحابه من الاتفاق النووي وفرضه العقوبات على ايران، فلم يكن بمقدور اية دولة في العالم توطيد علاقاتها مع ايران وتواصل التبادل التجاري معها في الوقت الذي كان فيه ترامب يتوعد أية دولة تقدم على ذلك بعقوبات قاسية.
من هنا فان الأمل بدأ ينبض بعودة العلاقات السعودية – الايرانية مع الرغبة التي أبدتها الحكومة الأميركية في العودة للاتفاق النووي والغاء العقوبات عن ايران، إلا أن قوة وضعف الأمل تعود الى النجاح أو الفشل الذي تنتهي اليه المفاوضات، لذلك وعلى الرغم من التوجهات السياسية للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي والمساعي التي يبذلها للتقرب من الشرق والجنوب وتنمية وتوطيد العلاقات مع دول الجوار؛ فإن العلاقات مع السعودية لو عادت فستكون السمة الرئيسية لها البرود إن فشلت المفاوضات النووية ولم يتوقف العدوان على اليمن.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى