شؤون دولية

الانتخابات الرئاسية الفرنسية… تقلبات وغموض في المواقف بشأن الحرب في أوكرانيا

أجبر الغزو الروسي لأوكرانيا مرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية على غرار اليساريين جان لوك ميلنشون وفابيان روسيل واليمينيين المتطرفين مارين لوبان وإيريك زمور على تعديل مواقفهم من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وفق ما اشارت وكالة الصحافقة الفرنسية.

وبحسب “فرانس برس” فقد بدأ المرشحون من أقصى اليمين واليسار للانتخابات الرئاسية الفرنسية في تعديل مواقفهم من روسيا بعد غزوها أوكرانيا. وقبل الهجوم الروسي، كان المرشحون مارين لوبان وإيريك زمور وجان لوك ميلنشون وفابيان روسيل مصرين على مواقفهم المتمثلة في رفض الوقوف خلف الولايات المتحدة والخروج السريع من قيادة حلف شمال الأطلسي. ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا أربك المواقف التي كانت ثابتة لهؤلاء المرشحين للوصول لقصر الإليزيه. فقبل أربعين يوما من الاستحقاق الرئاسي، يحاول هؤلاء المرشحون اليمينيون واليساريون -من الذين كانوا يريدون ربط علاقات جيدة مع روسيا- تغيير موقفهم من موسكو في منعرج محفوف بالمخاطر.

وأُجبر حزب “فرنسا الأبية” بقيادة جان لوك ميلنشون -الذي اتخذ في بداية الحملة موقفا مساندا لبوتين- في 25 شباط/ فبراير على إدانة هجوم روسيا على أوكرانيا. “روسيا اعتدت على أوكرانيا في استعراض للقوة لا حدود له” هذا ما صرح به ميلنشون خلال زيارته لجزيرة لا رينيون مضيفا “روسيا أحدثت خطرا محدقا لاندلاع نزاع شامل يهدد البشرية بأسرها”.

ميلنشون “لم يتأخر أبدا عن مجاملة بوتين”
إلا أن ذلك لم يكن موقف ميلنشون -الذي ساند سابقا التدخل الروسي بسوريا في 2015- في تصريحات لصحيفة لوموند في 18 كانون الثاني/ يناير. حيث قال في تصريح سابق “بخصوص قيام روسيا بتعبئة عسكرية على حدودها، من لا يفعل ذلك أمام جار مماثل على علاقة مع قوة دولية تمثل تهديدا متواصلا لها؟ ” قبل أن يقول في وقت لاحق عبر قناة تي إف 1 “فرنسا يجب أن تكون بلدا محايدا وهو ما يعني أنه يتوجب على روسيا عدم الدخول إلى أوكرانيا كما يجب على الأمريكيين عدم ضمها إلى الحلف الأطلسي”.

لكن ميلنشون يصر على أنه لم يقم بتعديل موقفه السياسي. حيث صرح الجمعة لفرانس إنفو “منذ البداية، كنت أقول إنه إذا حاولتم وضع قوة الحلف الأطلسي على حدود روسيا في أوكرانيا، فقد يتسبب ذلك بمنعرج كبير”. حتى أن الزعيم اليساري لم يدع إلى حد الآن لفرض عقوبات على روسيا. كما أنه يرفض وصف الرئيس الروسي بالدكتاتور مفضلا استخدام عبارة “الحاكم المتسلط”. وتحول هذا الموقف غير الواضح إلى هدف لهجمات منافسيه. حيث قال مرشح حزب الخضر يانيك جادو في بيان الجمعة “ميلنشون لم يتأخر أبدا عن مجاملة بوتين” مضيفا “إنه يتبنى حجج الدعاية الروسية التي تقول بأن بوتين وجد نفسه مجبرا بسبب الحلف الأطلسي على الاعتداء عسكريا على أوكرانيا”.

كما تبنى مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي للانتخابات الرئاسية فابيان روسيل نفس أسلوب ميلنشون. فقبل بضعة أيام فقط من الغزو الروسي، دعا روسيل إلى الحياد أمام القوى العظمى “يوجد دب التايغا… وفي المقابل توجد الصقور الأمريكية… التي تعمل منذ أعوام عدة على ضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي”. ولكن النائب عن منطقة الشمال الفرنسي ندد منذ صباح الخميس بخطوة موسكو. حيث قال “لقد اختار الرئيس الروسي الحرب. ولقد قرر خرق الأعراف الدولية. يجب أن تبذل كل الجهود من أجل عودة السلام”. رغم ذلك، لم يرفع روسيل كل اللبس حول مواقفه بشأن روسيا. ومثله مثل ميلنشون، لم يتحدث روسيل عن عقوبات ضد موسكو ولا عن سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.

تغير كامل في موقف لوبان
لدى اليمين المتطرف، تغيرت نبرة الخطاب بشأن روسيا أيضا. فقد عبرت زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان -التي صرحت في 2011 لصحيفة “كوميرسانت” الروسية أنها معجبة بفلاديمير بوتين- عن أسفها بسبب “التصعيد”. وقالت لوبان في بيان يوم 24 شباط/ فبراير “لا يوجد أي سبب يبرر إطلاق روسيا عملية عسكرية ضد أوكرانيا في خطوة تقطع توازن السلام في أوروبا. ويجب التنديد بهذه الخطوة بدون أي غموض”. وعكس خصومها ميلنشون وروسيل، دعت لوبان إلى “سحب القوات الروسية من أوكرانيا”.

وكان بوتين استقبل لوبان بموسكو في أواخر مارس/ آذار 2017 في أوج حملة الانتخابات الرئاسية تلك السنة. أثناء تلك الزيارة، تحدثت مرشحة “الجبهة الوطنية” في تلك الفترة بنبرة مختلفة عن العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب الصراع الأوكراني سنة 2014 بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم. أما مؤخرا، في كانون الثاني/ يناير بالتحديد، وخلال استدعائها لإمضاء إعلان مشترك مع حلفائها القوميين في أوروبا، اعترضت مارين لوبان عن الفقرة التي تندد بالعمليات العسكرية الروسية.

ويجب القول إن حزبها يدين بالكثير لروسيا. ففي سنة 2014، اقترضت “الجبهة الوطنية” 9.4 مليون يورو من بنك روسي خاص بعد رفض عدة مصارف فرنسية إقراضها. وفي حوار مع قناة بي إف إم الفرنسية عن علاقاتها بروسيا، والقرض الروسي بالخصوص في 2014، نفت لوبان بشكل قاطع أنها تمثل امتداد لنفوذ بوتين في فرنسا. حيث قالت “كنت من بين المسؤولين السياسين القلائل الذين حاولوا البقاء على نفس المسافة من الولايات المتحدة وروسيا… مجرد البقاء على نفس المسافة بين البلدين يؤدي إلى مثل هذا الاتهام” قبل أن تؤكد وجود مسؤولين سياسيين “تابعين بقوة للموقف الأمريكي”.

“أحلم ببوتين فرنسي”
انقلب موقف اليميني المتطرف إيريك زمور هو الآخر من بوتين. فبعد تأكيده في حوار لقناة فرانس2 في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بأن “روسيا لن تغزو أوكرانيا” وتنديده بـ “دعاية” أمريكية، اضطر زمور لإلقاء اللوم على روسيا بسبب الغزو. إذ قال مرشح حزب “الاسترداد” للانتخابات الرئاسية في ندوة صحفية الخميس “أندد بدون تحفظ بالتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا”.

ويمكن تفسير توقعات زمور الخاطئة بالإعجاب الذي يكنه للرئيس الروسي. فقد صرح اليمين المتطرف في حوار مع صحيفة لوبينيون في سنة 2018 أنه “يحلم ببوتين فرنسي”. كما قال في أيلول/ سبتمبر الماضي على قناة سي نيوز الإخبارية “أنا مع التحالف الروسي، أعتقد أنه الحلف الأكثر ثقة”. كما صرح في استوديوهات فرانس إنفو في بداية شباط/ فبراير بأن “فلاديمير بوتين وطني روسي ومن حقه الدفاع عن مصالح روسيا”.

ولعل هذه التصريحات السابقة للمرشح الفرنسي المعجب بروسيا تفسر إسراعه بالتنديد بأطراف النزاع الأخرى ألا وهي أوروبا والحلف الأطلسي وبصفة عامة “كل واحد منا”. وفي محاولة لعدم إلقاء كل اللوم على فلاديمير بوتين لوحده، أضاف زمور “كلنا مسؤولون، يجب أن نتفهم مطالب روسيا بعد التوسع [نحو حدودها]. ولا يعد هذا الموقف غريبا من مرشح اليمين المتطرف الذي يدعو إلى “اتفاق يضع حدا لتوسع الحلف الأطلسي”. ولا تعد هذه المواقف جديدة من زمور، ففي كتابه “عهدة اللا شيء” الصادر سنة 2016، ادعى زمور أصلا “أن أوكرانيا ليست موجودة” لأنه يعتبر أن “أوكرانيا الحديثة هي بلد ملفق من هنا وهناك”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى