رأي

مجلس التعاون الخليجي ومتغيرات العالم

كتب د. محمد حسين الدلال, في “القبس”:

يحل قادة دول مجلس التعاون الخليجي ضيوفاً كراماً على دولة الكويت، وذلك في الأول من ديسمبر المقبل، للمشاركة في القمة الـ45 لمجلس التعاون الخليجي، وتقام القمة الخليجية المقبلة في ظل ظروف ومعطيات محلية وإقليمية ودولية غاية في الحساسية والأهمية على جميع الصعد، الخليجي والعربي والإسلامي والدولي، نشير في هذا المقال إلى عدد منها.
تأتي القمة الخليجية المقبلة في عالم متغيّر من نواحٍ عدة، فعلى المستوى الخليجي، أسهمت العولمة والانفتاح الإعلامي والإلكتروني في التأثير على عقلية شعوب الخليج إيجاباً وسلباً، وأصبح الفرد الخليجي في العموم أكثر مواكبة وتفاعلاً مع الظروف والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذه التحولات الاجتماعية والفكرية في الفرد الخليجي تتطلب من دول الخليج العربي السعي إلى توجيه تلك المتغيرات إيجاباً، لتعزيز مفهوم الانتماء الخليجي والعربي والإسلامي، كما أنها تمثل طاقات بشرية من الخبرات والعقول، التي من شأن حسن التعاطي معها أن تكون أساساً لدعم التنمية والتقدم الحضاري، وتتطلب في الوقت ذاته أن يتم ذلك في إطار تعزيز مفاهيم المشاركة والانفتاح والحريات العامة المسؤولة.

يأتي انعقاد القمة الخليجية في ظل ظروف إقليمية معقدة وشديدة الحساسية، ولها انعكاسات على المحيطين الخليجي والعربي، فقضية فلسطين، رغم مقاومة الشعب الفلسطيني للانعتاق من الاحتلال الصهيوني، ما زالت عالقة، إن لم تتراجع للخلف، وتستمر حالة العربدة الصهيونية بارتكاب جرائم الإبادة والتهجير والتجويع في حق الشعبين الفلسطيني واللبناني، بل زاد الأمر سوءًا قيام قادة في الكيان الصهيوني المحتل بادّعاء حقهم بالتوسّع في أجزاء من الدول العربية، ضاربين بذلك كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان والسلم الإقليمي والدولي.

من الأهمية أن تنظر بعين الاعتبار دول الخليج العربي في قمتها المقبلة الى التغيير القائم إقليمياً ودولياً، فالكيان الصهيوني المحتل، ومن يناصره، يخوضان أسوأ مراحلهما التاريخية في المنطقة العربية، فمن جانب هما يواجهان مقاومة وطنية شرسة في غزة وباقي مناطق فلسطين، أثخنت فيهم الجراح، وهم كصهاينة يوصمون من معظم شعوب العالم، ومن المنظمات الدولية لحقوق الانسان، بأنهم مجرمو حرب، ودعاة للعنصرية، ومخالفون للقرارات الدولية بشأن فلسطين وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وصدرت بحق بعض قادة الصهاينة أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، باعتبارهم مرتكبي جرائم حرب في حق الشعب الفلسطيني، ناهيك عمّا تلقاه المقاومة الفلسطينية من دعم شعبي ودولي متزايد دعماً لدحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

تلك المتغيرات الجديدة في نطاق القضية الفلسطينية، والتي تعد محورية وأساسية، مرتبطة ومؤثرة في المنطقة العربية، ولأنها في ظل مستجدات الظروف الأخيرة في المنطقة، تعد فرصة تاريخية تستوجب المساهمة العربية على نحو يضمن إعادة القضية الفلسطينية للواجهة، باعتبارها قضية دول الخليج والدول العربية الأولى والأساسية، وبهدف إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال المجرم لفلسطين، والسعي إلى تحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، كما أن الظروف المتغيرة الحالية والمستقبلية تجعل من الضروري اتخاذ موقف عربي حازم، يجبر الكيان الصهيوني المحتل على تنفيذ القرارات الدولية، وهو الكيان الذي أضحى كياناً مارقاً في إطار الشرعية الدولية، فهو كيان يده ملوثة بدماء وأشلاء مئات الألوف من الشعب الفلسطيني واللبناني، وهو كيان لا شرعي ولا أخلاقي ولا قانوني ولا سلمي، تم غرسه في الجسم العربي كالطاعون، مما يتطلب معه مواجهته واجتثاثه والتخلّص منه قبل أن يتسبب بالمزيد من الخراب والتدمير والموت للمنطقة العربية.

ومن المتغيرات المحلية والإقليمية الى المتغيرات الدولية، التي تشهد تغييراً في موازين القوى، متغيرات دولية تتطلب التعامل معها بحذر شديد، فالعالم آخذ بالتراجع عن سياسة القطب الأوحد الغربي، والعالم يتجه نحو تعدد الأقطاب المؤثرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهو ما يدعونا الى أهمية تعزيز العمل الخليجي والعربي المشترك، والحذر من عدم الانفراد في التعامل مع تغيير موازين القوى الدولية، فمن شأن تراجع التنسيق أو الانفراد أو الدخول في صراع الأقطاب الدولية، أن يلحق ذلك ضرراً بدول وشعوب الخليج والأمة العربية.

يعد ملف تنظيم عمليات مواجهة الأزمات والأخطار في دول الخليج العربي، من أهم الملفات وأكثرها حاجة في ظل ظروف المنطقة، وقد بذلت دول الخليج جهوداً سابقة في هذا المسار، لكنها غير كافية، ولا تحقق متطلبات الأمن والسلم والاستعداد اللازم للأزمات والمخاطر، مما يستوجب معه سرعة اتخاذ قرارات خليجية نوعية في تنظيم وتطوير العمل لإنجاز هذا الملف.

نرحب من جديد بقادة ومسؤولي دول الخليج العربي في قمتهم المقبلة بالكويت، ونسأل الله أن يوحّد كلمتهم، ويجمع صفهم، ويؤلف على الخير قلوبهم وأعمالهم، وأن يجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن يبارك لهم في المزيد من أدوار النصرة للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الصهيوني الغاشم، وأن يوفقهم لخير دول المنطقة وشعوبها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى