رأي

نيويورك تايمز: بوفاة الملكة التي حكمت طويلا ربما احتاجت بريطانيا لتغيير دستوري

ناقشت أستاذة التاريخ بجامعة برنستون ليندا كولي حاجة بريطانيا لتغير دستوري بعد وفاة الملكة إليزابيث.

وجاء في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أن عميد مجموعة بلومزبري للنشر ليتون ستراتشي حاول قبل قرن أن يلخص أثر وفاة الملكة فيكتوريا، قائلا إنها نجحت خلال حكمها الطويل الذي امتد على 63 عاما بأن تصبح أمرا “اعتياديا” وبشكل عميق، واحتلت “بسهولة مرضية مكانا متميزا ولا ينسى”، وبالتالي، مضى ستراتشي قائلا إنه عندما توفيت في عام 1901 بدا للكثيرين وليس فقط في المملكة المتحدة بانه “تغير فظيع لقانون الطبيعة” وخرق “لمسار الأشياء بأكمله”. ويمكن قول نفس الشيء في مناسبة وفاة الملكة إليزابيث الثانية، فقد وصلت كلتا المرأتين للعرش البريطاني في فترة الشباب، ورغم هزيمة إليزابيث فيكتوريا في فترة الجلوس على العرش، حيث حكمت لـ 70 عاما، إلا أن الملكتين كانتا شخصيتين عالميتين وليستا محليتين. وتلبست كلاهما العرش لدرجة أن البعض شعر أنه سيظل على رأسيهما للأبد.

ورغم ملامح التشابه إلا أن الخلافات بين وضع بريطانيا اليوم والزمن الذي تولت فيه فيكتوريا العرش أساسية وكثيرة. وبحلول عام 1901 كانت بريطانيا تتأرجح نحو التدهور، مع أن البحرية والتجارة والنظام المالي والملاحي كانت الأكبر في العالم.

عندما تم تعيين ليز تراس، رئيسة للوزراء، قبل أيام من وفاة الملكة، أصبحت ثالث امرأة تتولى المنصب. والحكومة محافظة بشكل عميق ولكن بشكل ما متنوعة بطريقة غير مسبوقة، فالمناصب الأربعة البارزة فيها لشخصيات من أصول أفريقية وآسيوية

واليوم تلاشت مصادر هذه القوة والتوسع منذ وقت طويل. وأكثر من هذا فإن بعضا من عناصر هذا النظام الداخلي أصبحت عصية على الإصلاح ومع مرور الزمن مثيرة للجدل. وخلف مظهر الإحتراف المطلق، شهد النصف الثاني من حكم إليزابيث الثانية زيادة في السخط من عمل الحكومة ومن سكان أكثر تنوعا وأقل اهتماما أو احتراما للملكية. والسؤال: هل ستسهم وفاة الملكة وصعود الملك تشارلز الثالث بزيادة مستويات الاضطرابات التي قد تقود إلى مطالبة لا يمكن وقفها بإحداث تغبير دستوري راديكالي إن لم تكن مطالبة بدستور جديد؟

ولدرجة ما، لم يتم الإعتراف بمعدل التغير السياسي الذي يجري في المملكة المتحدة ولوقت، وبخاصة على مستوى الشخصية.

وعندما تم تعيين ليز تراس، رئيسة للوزراء، وقبل أيام من وفاة الملكة في الأسبوع الماضي، أصبحت ثالث امرأة تتولى المنصب. لكن حكومة تراس، هي محافظة بشكل عميق وبشكل ما متنوعة بطريقة غير مسبوقة. ومنحت المناصب الأربعة البارزة فيها لشخصيات من أصول أفريقية وآسيوية. وحصل تغيير على مؤسسات الحكم، فمنذ عام 2009 أصبح لدى البلد محكمة عليا ولدى كل من أيرلندا الشمالية وويلز واسكتلندا برلمانات بسلطات تشريعية واسعة.

وترى الكاتبة أن هذه التغيرات ربما تبدو مثيرة للدهشة، لكنها تظل جزئية وفي بعض الأحيان تم التفكير بها بطريقة غير مدروسة. وتقول إنه صحيح أنه تم تحويل السلطة من لندن لكنها لم تحول بطريقة منظمة. وعلى خلاف اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، فإنكلترا الأكبر من بين الأربع لا برلمان لها مما أثار السخط بين السكان وزاد من النظرة القومية المغلقة.

وفي نفس الوقت فإن عودة برلمان أدنبرة لم ينجح حتى هذا الوقت في نزع فتيل الإنفصالية. أما أيرلندا الشمالية وبرلمانها فهو معطل الآن وسط زيادة المشاعر القومية في ويلز. والأهم، لم يحدث أي إصلاح منظم للبرلمان في ويسمنستر. ولم يتم إدخال إجراءات من أجل مراقبة وتنظيم سلطات رئيس الوزراء والذي بدا منصبا رئاسيا في الشكل والطموح، وبخاصة منذ حكم مارغريت تاتشر ( 1979- 1990).

وكل هذه الإنقسامات، وعدم الرضا والإجراءات غير المدروسة والتي زادت بعد الخروج من الإتحاد الأوروبي والإستفتاء 2016، الذي فاقم وعمق الخلافات في بريطانيا، بدلا من ردمها كما أمل البعض.

وكشف الإستفتاء عن عمق الخلافات بين الناخبين الشباب والكبار، وبين المتعلمين والأقل تعليما. ودعمت الغالبية من الناخبين في اسكتلندا وأيرلندا الشمالية إلى جانب لندن والمدن الكبرى في إنكلترا البقاء في الإتحاد الأوروبي. وبهامش ضيق وأدى دعم المناطق الريفية والمدن الساحلية المحرومة لتمرير الإستفتاء.

في المستقبل لو قررت اسكتلندا التصويت على الإستقلال وأيرلندا الشمالية الإنضمام لجمهورية أيرلندا فستنكمش بريطانيا إلى مقاطعتين، إنكلترا وويلز، حيث تصبح الأخيرة مضطربة وغير مستقرة

وأدى الإستفتاء لاستمرار الإنقسام إلى جانب التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الخروج من الشريك الاقتصادي المهم. وعليه فهل ستترك وفاة الملكة التي حكمت أطول مدة في تاريخ بريطانيا صدمة للنظام، بشكل يستدعي لتفكير مستمر وجوهوي حول عمل المملكة المتحدة؟ وهل سيستدعي هذا كتابة تاريخية ثانية للدستور البريطاني؟ ليس بالضرورة، وليس نتيجة للموت، وبعيدا عن كل هذا، فالملكية منظمة قوية ومصممة، وأكثر من هذا فالملك تشارلز الثالث في سن الـ 73 عاما، وربما كان هذا موقف ضعف، لكن في العصور الوسطى، عندما كان الشباب يختفي، فهذه أخطر مرحلة لأن تكون ملكا. فالملوك في سن متقدمة يعملون من أجل زيادة الإحترام والتبجيل.

وترتبط كتابة الدستور بالصدمة التي تتعرض لها الدولة مثل ثورة كما حدث في أمريكا، حرب أهلية، احتلال أجنبي وغزو. وكتب أول دستور بريطاني “أداة الحكومة” في عام 1653، ويحمل هذه الاشكال. وجاء الإعلان عنه بعد إعدام ملك وحرب أهلية قادت لتحول البلد ولفترة قصيرة إلى جمهورية.

وتختتم الكاتب بالقول إنه لم يتغير الحكم الوراثي في بريطانيا، كما حدث في الأيام الأخيرة، وهو ليس تغيرا مشابها للأحداث التي تدفع للتغيير. وربما ساهم في حدوث تغيرات قد تكون وجودية. وفي المستقبل لو قررت اسكتلندا التصويت على الإستقلال وأيرلندا الشمالية الإنضمام لجمهورية أيرلندا فستنكمش بريطانيا إلى مقاطعتين، إنكلترا وويلز، حيث تصبح الأخيرة مضطربة وغير مستقرة. وعندما يصبح تفكك الوحدة في بريطانيا أمرا واقعا وبخاصة وسط أزمة اقتصادية مستعصية، فعندها سيكون الدستور حلا بدلا من أن يكون أمرا غريبا أو تهديدا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى