رأي

الصين والقلق الآسيوي

تتزايد المخاوف في آسيا من انعكاسات التوازنات الجيوسياسية، لا سيما في منطقة المحيط الهادئ
على ضوء التغييرات المتعلقة بالمواقف الأمريكية من أوروبا وأوكرانيا، ما يجعل من الموقف الصيني
من تايوان أكثر تشدداً، إذ منذ عام 2016 صعّدت بكين من خطابها بشأن الجزيرة، وأجرت العديد من المناورات البحرية والجوية فوق مضيق تايوان، وتعهدت بإعادة توحدها مع البر الصيني.

هذه المخاوف بدأت تطفو على السطح من جانب حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تتواجد قواعد عسكرية أمريكية توفر الحماية الأمنية لهذه الدول، لكن قرار الولايات المتحدة مع وصول إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بتقليص دورها الأمني في أوروبا، والتخلي عن أوكرانيا، دفع العديد من هذه الدول إلى إعادة حساباتها لقناعتها بأن واشنطن سوف تقلص من وجودها العسكري في المنطقة، وربما تتخلي عن تعهداتها بحماية حلفائها، وبالتالي لن تنقل ثقلها العسكري من أوروبا ومناطق أخرى إلى جنوب شرق آسيا كما فعل الرئيس باراك أوباما والرئيس جو بايدن، إلا وفق شروط صعبة من بينها حمل هذه الدول على تقديم مدفوعات مالية أكبر بكثير مقابل حمايتها.

لذلك بدأت العديد من الدول من بينها الفلبين واليابان وأستراليا اتصالات مع الصين، وتخفيف التوتر معها تحسباً للمستقبل، واعتماد سياسة أكثر استقلالية، خوفاً من أن تصبح ورقة مساومة محتملة في أية صفقة كبرى بين الولايات المتحدة والصين.
ووفقاً للعالم السياسي والصحفي الأمريكي والتر راسل ميد، فإن نهج ترامب القائم على إبرام الصفقات يحظى بتأييد شعبي واسع، حيث «يعبّر عن القيم الاجتماعية والثقافية والدينية لشريحة واسعة من الشعب الأمريكي الذين لا يهتمون كثيراً بالتحالفات والالتزامات الخارجية».
ويرى أستاذ العلوم السياسية في «جامعة البوليتكنيك» بالفلبين ريتشارد هايدريان أن قلق الحلفاء الآسيويين مصدره ثلاثة أسباب، هي أولاً، تهديدات ترامب لكندا والدنمارك وبنما والمكسيك، وعدم اكتراثه بالقانون الدولي. ثانياً، تعامله الحاد مع أوروبا وأوكرانيا. وثالثاً، تعليق برامج المساعدات التنموية ما يقوّض قوة الولايات المتحدة الخارجية.
وفي مواجهة ذلك، يدرك حلفاء الولايات المتحدة في آسيا ضرورة التعامل مع الصين من خلال الحوار وليس المواجهة، واستكشاف إمكانية إقامة علاقات متوازنة معها، وحل الخلافات معها في بحر الصين الجنوبي من خلال الوسائل الدبلوماسية.
الصين من جهتها تتصرف ببرودة شديدة تجاه السياسات الأمريكية الجديدة، وتعمل وفق سياسة مرسومة غير مرتبطة بالتطورات والمواقف التي تصدر عن واشنطن، لذلك هي تواصل إجراء المناورات العسكرية حول تايوان، وآخرها يوم الاثنين الماضي، حيث قال المكتب الصيني لشؤون تايوان بأن المناورات «عقاب حازم على الترويج المستمر للانفصالية» من قبل رئيس تايوان لاي تشينغ ته، وأضاف، «إذا تجرّأت إدارة لاي على الاستفزاز واللعب بالنار، فلن تجني إلا تدمير نفسها».
لا شك أن الصين تراقب الوضع من كثب، وترصد المواقف الأمريكية، ثم تستخلص منها الدروس، وحدود الرد الأمريكي في مضيق تايوان، ومن ثم تبني موقفها على هذا الأساس.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى