رأي

هل سيطرق بايدن باب الصين لمحاصرة إيران في المفاوضات المقبلة؟

كتبت الكاتبة السورية براء سمير إبراهيم في “رأي اليوم”: جولةُ مفاوضاتٍ جديدة حول الملف النووي الإيراني، انتهت في ڤيينا قبل أيام دونَ وصولِ أي طرفٍ من الأطراف إلى مآربه التفاوضية، فلا الولايات المتحدة رفعت العقوبات ولا إيران قدمت أدنى تنازلات، لتتوقف المباحثات تمهيداً لعودة الوفود إلى العواصم من أجل التشاور مع أصحاب القرار الفعلي، دون تعيين موعدٍ محددٍ للجلوس على طاولة الحوار من جديد.

[ حث الخطى نحو الصين]

منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهو يعتمد سياسة ذات اتجاهين حيال الصين، الاتجاه الأول هو مواجهة النفوذ الصيني المتزايد، والثاني التعاون مع الصين في مجالات الاهتمام المشترك وتخفيف حدة التوتر معها الذي نشأ في عهد سابقه دونالد ترامب.
وتحدثت وكالة رويترز للأنباء في شهر سبتمبر الماضي، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أنه أثناء زيارة نائبة وزير الخارجية الأمريكي “ويندي شيرمان” إلى الصين أواخر يوليو الماضي، جرى بحث ملف مشتريات الصين من النفط الإيراني، وأن الجانب الأمريكي طالب بكين بالكف عن الالتفاف على العقوبات الأمريكية ضد طهران، لما يسببه ذلك الالتفاف من إبقاء الاقتصاد الإيراني مقاوماً في وجه الحصار الأمريكي، وبالتالي تعنت إيران في موقفها التفاوضي وعدم اكتراثها لامتناع واشنطن عن رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
ومع تقديم الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، في الثاني عشر من ديسمبر، مشروع ميزانية إلى “مجلس الشورى الإسلامي” للعام الإيراني 2022/2023 الذي يبدأ في آذار/مارس، فأنه راعى في هذه الميزانية مسألة استمرار العقوبات المفروضة على إيران وحرص على جعل الاقتصاد الإيراني غير متأثر بالعقوبات وبما يمليه الغرب من قرارات.
وفي هذا الصدد يرى “پاتريك كلاوسون” مدير الأبحاث في معهد واشنطن، “إن حكومة رئيسي لا ترى أي ضرورة اقتصادية لتقديم تنازلات نووية كبيرة، ولا تخشى الإجراءات الاقتصادية العقابية التي هددت إدارة بايدن بتطبيقها في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وربما يمكن لواشنطن زعزعة هذه الثقة – على سبيل المثال، من خلال إيجاد تدابير فعالة للحدّ من مشتريات النفط الصينية التي تشكّل الجزء الأكبر من صادرات إيران. ومع ذلك، لن تكون هذه مهمة سهلة، بالنظر إلى القناعة الإيديولوجية الراسخة لرئيسي بأن الاكتفاء الذاتي والتعاملات التجارية مع الدول المجاورة أكثر نفعاً من محاولة التطبيع مع الغرب”.

[ الحلف المتين]

أن رغبة الولايات المتحدة في التعاون مع الصين لمواجهة إيران، لن يكون خياراً يمكن التعويل عليه بشكل كبير، فالواقع أن لبكين مصالح كبيرة في أن تبقى الأمور على ماهي عليه بين طهران وواشنطن للأسباب الآتية :
_ رفع العقوبات سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الإيراني، وبذلك ستخسر الصين النفط الإيراني الرخيص نسبياً مقارنة بالنفط السعودي أو الروسي.
_ موافقة إيران على الشروط الأمريكية، من شأنه تعزيز الهيمنة والسيطرة الأمريكية على العالم، وهو الأمر الذي لا تريده الصين أن يحدث، فهي لا ترغب بالطبع أن ترى أمريكا منتصرة بأي شكلٍ من الأشكال.
_ قبول إيران التفاوض مع الولايات المتحدة يعني بطبيعة الحال التأثير سلباً على المصالح الصينية الواسعة في المنطقة والحد منها، خاصةً إذا ما أشرنا إلى اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل الموقعة بين إيران والصين في آذار الماضي والمقدر لها أن تستمر مدة خمسة وعشرين عاماً في إطار مبادرة الحزام والطريق.
_ مصلحة الصين تقتضي أن تكون هناك خلافات مستمرة ما بين إيران والولايات المتحدة، كي تنشغل واشنطن بمشاكلها مع طهران وتبتعد قليلاً عن محاربة النمو الصيني المتسارع.

[ الصين وإيران أحلاهما مرّ]أن تقديم الصين أي مساعدة للولايات المتحدة في سبيل الحد من جمود إيران وتشبثها بمواقفها خلال محادثات النووي، يعني بالتأكيد وضع شروط ومطالب صينية كبيرة وعرضها على الولايات المتحدة قبل اتخاذ أي خطوة تدعم التوجه الأمريكي في مواجهة إيران، وقد يكون من بينها إلغاء الرسوم والضرائب على البضائع الصينية، وتوقف الولايات المتحدة عن دعم تايوان في انفصالها عن الصين، وتقديم ضمانات حقيقية لحماية المصالح الصينية في المنطقة.
وبناءً على ذلك فإننا يمكننا القول أن واشنطن ستكون بموقفٍ صعب وحرج حيال مباحثات الاتفاق النووي، فإِذا وافقت على تقديم تنازلات لطهران فأنها ستعمل على تقوية عدوٍ شرس ضدها، وإذا تعاونت مع بكين فأنها تكون قد زادت من قوة منافستها الأولى على مستوى العالم.
لذا فإن الولايات المتحدة على ما يبدو ستعمل على تحقيق هدفها بإيقاف تصدير النفط الإيراني إلى الصين أو التقليل من الكميات المصدرة، بطريقةٍ غير مباشرة وبشكل يجعلها محافظة على سياستها الهادفة لمواجهة إيران وتحجيم دور الصين العالمي، وهي بذلك بإمكانها استخدام سياسة العصا والجزرة لتحقيق ما ترنو إليه.

فبالنسبة لأسلوب الترهيب يمكن لواشنطن اتخاذ الخطوات الآتية:
_ فرض مزيدٍ من العقوبات على الشركات الصينية التي تستورد النفط الإيراني، وهذا ما بدأت واشنطن بفعله في الفترة الأخيرة.
تعزيز العقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني بشكلٍ يجعل عملية تحويل المال إلى إيران تواجه صعوباتٍ مستعصية ومعقدة. استهداف ناقلات النفط الإيراني المتجهة نحو الصين واعتراض طريقها.
_ تنفيذ هجمات وعمليات إرهابية تطال شركات النفط والبترول في الداخل الإيراني.
تعزيز الضغوط على الصين فيما يتعلق بقضية إبادة مسلمي الإيغور ودعم المعارضة في شنغهاي والوقوف مع تايون. أما بالنسبة لطريقة الترغيب فإنها يمكن أن تتضمن : تقديم الولايات المتحدة الأمريكية عروض للصين، تتضمن على سبيل المثال لا الحصر، التوقف عن دعم أعمال الشغب في شنغهاي والكف عن انتقاد ملف حقوق الإنسان في الصين فيما يخص قمع مسلمي الإيغور، لأن نهج الولايات المتحدة في مواجهة أعدائها يتضمن دائماً استخدام ورقة المعارضة وحقوق الإنسان، وعلى الجهة المقابلة فإن كل من يتعاون ويتعامل مع الولايات المتحدة يجري غض البصر عن هذين الملفين فيما يتعلق بشؤونه الداخلية ودول الخليج أكبر مثال على ذلك.
فواشنطن تعلم كل العلم أن أحداث العنف والتظاهرات في شنغهاي لم ولن تؤثر أبداً على أمن الصين القومي، وأن الحديث عن انتهاكات حقوق المسلمين في الصين لم ولن تغيّر شيئاً أيضآ في علاقات الدول العربية والإسلامية مع الصين التي تجمعها علاقات قوية ومتينة بدول المنطقة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتفاوض مع الصين حول جزيرة تايوان إطلاقاً، لأنه وبحسب مصادر إعلامية، فإن استعادة الصين لتايوان تعني نهاية الإمبراطورية الأمريكية كما كان تأميم مصر لقناة السويس نهاية الإمبراطورية البريطانية قبل عدة سنوات.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى