رأي

هل ستشعل اضطرابات كازاخستان التوتر بين روسيا والغرب؟

كتب طارق الشامي في “اندبندنت عربية” : “على الرغم من أن الولايات المتحدة نفت أي دور لها في أحداث كازاخستان بينما تتزايد التقارير التي ترجح أن ما يجري في أكبر دول آسيا الوسطى مساحة، ليس إلا صراعاً على السلطة، فإن الرئيس الروسي بوتين يعتبر على الأرجح أن الاحتجاجات داخل جارته الجنوبية “مؤامرة غربية” تحاول إضعافه، وفتح جبهة أخرى مقلقة على حدود روسيا.

وبالنظر إلى أن كازاخستان حاولت الابتعاد قليلاً في سياستها الخارجية عن موسكو، واقتربت إلى حد ما من الولايات المتحدة وأوروبا والصين، فإن أي دعم أميركي لهذه الاحتجاجات حتى على المستوى اللفظي، قد يؤدي إلى تفاقم العلاقات بين موسكو والغرب، وسيزيد من زعزعة استقرار الوضع في أوكرانيا.

انتفاضة أم صراع على السلطة

على الرغم من أن الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها كازاخستان منذ الثاني من يناير (كانون الثاني)، تعود في الأساس إلى تضاعف أسعار الوقود، فإن تقارير متزايدة تتحدث الآن عن أن الأزمة تزامنت مع صراع على السلطة داخل الحكم، وأن الناس الذين يقاتلون في الشوارع كانوا وكلاء لفصائل متناحرة من النخبة السياسية، فضلاً عن مجموعة من الأسباب الغامضة المحتملة الأخرى حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، غير أن الشيء الوحيد الواضح هو أن الاضطرابات في البلاد تنطوي على أكثر من مجرد صدام مباشر بين المتظاهرين الساخطين على الأوضاع الاقتصادية، والجهاز الأمني للنظام ذي اليد الغليظة.

ولعل ما ألمح إليه الرئيس قاسم جومارت توكاييف، حينما ادعى أن العنف كان من عمل 20 ألفاً من اللصوص وعصابات الجريمة الذين انطلقوا من مركز قيادة واحد، وأشعلوا النار في السيارات، واقتحموا المكاتب الحكومية، يعد أحد أبرز الدلائل على أن الفوضى كانت نتيجة صراع يائس على السلطة بين العشائر السياسية المتناحرة، وبالتحديد بين الموالين للرئيس توكاييف (68 سنة)، وأولئك الموالين لسلفه نور سلطان نزارباييف (81 سنة).

هواجس أميركية

لكن، التدخل الروسي في كازاخستان مع خروج الوضع بسرعة عن السيطرة، وشعور توكاييف بالحاجة إلى الحصول على مساعدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، يثير هواجس أميركية عبر عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن بوضوح حين قال، إن الولايات المتحدة “لا تزال لديها تساؤلات حول طلب توكاييف تعزيزات عسكرية من تحالف تقوده روسيا”. مستغرباً شعور توكاييف بالحاجة إلى أي مساعدة خارجية، بخاصة أن أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث أنه بمجرد دخول الروس، يكون من الصعب جداً إقناعهم بالمغادرة.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، ظلت كازاخستان المنتجة للنفط واليورانيوم على مدى ثلاثة عقود بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الأكثر ازدهاراً واستقراراً مقارنة مع جمهوريات آسيا الوسطى السابقة، وتقديراً لدعم الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف حظر انتشار الأسلحة النووية وحرب أفغانستان، وكذلك ترحيبه بشركات النفط الغربية والأميركية، تبنت واشنطن موقفاً ودياً تجاه النظام،على الرغم من أن نزارباييف احتكر السلطة السياسية، واستخدمها لإثراء نفسه وعائلته وأصدقائه، وظل مؤثراً حتى بعد تنحيه لصالح الرئيس توكاييف منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.

لكن، احتمال تحول صراع محتمل على السلطة إلى حالة من الفوضى في الشوارع يشير إلى مدى هشاشة الوضع في كازاخستان، بخاصة مع توجيه النظام اتهامات بالتخريب الأجنبي لتبرير التدخل العسكري من قبل أقرب حليف لكازاخستان، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحريص على دعم زملائه المستبدين كما تقول صحيفة واشنطن بوست الأميركية، بهدف الحفاظ على النفوذ الروسي في الفضاء السوفياتي السابق، مثلما ساند من قبل ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروس ضد الاحتجاجات عام 2020.

ولهذا، فإن الهدف الاستراتيجي الثابت لبوتين هو منع تكرار ثورة 2014 التي أطاحت حاكماً موالياً لموسكو في أوكرانيا، وحتى تكون حكومة توكاييف مدينة بالفضل لروسيا عندما تنجو من الاحتجاجات العنيفة.

اقرأ المزيد

كازاخستان تعتقل قائد الأمن الوطني السابق للاشتباه في “الخيانة”

مسيرات دامية في كازاخستان والسودان و”عين الأسد” تحت مرمى الصواريخ

لماذا تقلق أوروبا وليس فقط روسيا والصين من أزمة كازاخستان؟
سبب آخر للقلق

أثار إرسال 2500 جندي من منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا، التي تضم أيضاً أرمينيا وبيلاروس، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، مخاوف لدى الغرب من أن موسكو قد تستخدم الأزمة، لتعزيز نفوذها على كازاخستان، التي لطالما كانت تتبع خطاً دقيقاً بين روسيا والغرب، إذ اعتبرت جينيفر بريك مورتازاشفيلي، الخبيرة في وسط وجنوب آسيا في جامعة بيتسبرغ الأميركية، أن تدخل روسيا يعني أن كازاخستان ابتعدت عن سياستها الخارجية المتعددة، التي كانت توازن فيها بين الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فقد أمضت كازاخستان العقود الثلاثة الماضية في بناء علاقات في مجال الطاقة والسياسة الخارجية مع كل من أوروبا والولايات المتحدة والصين، في محاولة لانتزاع نفسها بعيداً من روسيا إلى حد ما، وقد نجحت في ذلك، حيث قامت ببناء خطوط أنابيب تسمح لها بالبيع المباشر للمستهلكين خارج روسيا، وفصل سياستها الخارجية عن موسكو التي يبدو أنها قبلت بذلك، حسبما تقول إيما آشفورد، الباحثة في المبادرة الأميركية الجديدة في المجلس الأطلسي.

لكن، ما يحدث الآن قد يُنظر إليه على أنه أكثر تحدياً للمصالح الروسية، فعلى الرغم من عدم تورط الولايات المتحدة في ما يجري الآن، فإن الكرملين لديه ميل تقليدي لرؤية التوترات، وكأنها واحدة من الثورات الملونة المصحوبة بدعم أميركي، وهو ما يمثل تحدياً للمصالح الروسية المباشرة، لأن موسكو لا تزال تشتري الغاز الكازاخستاني لدعم إنتاجها المتراجع، كما أن قاعدة بايكونور الفضائية وهي موطن برنامج الفضاء الروسي وجميع عمليات إطلاقه، تقع في كازاخستان، بل إن هناك عدداً كبيراً من السكان الناطقين باللغة الروسية داخل البلاد، ولهذا فإن أي دعم أميركي للاحتجاجات حتى على المستوى اللفظي، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة في العلاقات مع موسكو، ويزيد من زعزعة استقرار الوضع في جميع أنحاء أوكرانيا.

أصداء في أوكرانيا

ويبدو أن ما تخشاه واشنطن الآن هو أن تتردد أصداء أزمة كازاخستان المفاجئة في أوكرانيا، التي حشد بوتين على حدودها نحو 100000 جندي، ووجه اتهامات ومطالب ضد الولايات المتحدة وحلفائها ورفض استبعاد أي غزو لأوكرانيا، بالتالي يمكن للزعيم الروسي أن يستغل الأحداث في آسيا الوسطى على أنها زعزعة استقرار أخرى مدفوعة بتحريض غربي قرب حدود روسيا، بالتالي يصبح ذلك سبباً جديداً لفرض هيمنة روسية مباشرة على أوكرانيا.

وبغض النظر عن الطريقة التي سيتبعها بوتين، فإن الأزمة الكازاخستانية قد توفر لإدارة بايدن سبباً لتأكيد المبادئ التي حددتها بالفعل قبيل المفاوضات الأميركية الروسية المقررة يومي الأحد والاثنين في جنيف، وهي أن جيران روسيا لهم الحق في تقرير المصير، وليس لموسكو الحق في فرض إرادتها على أوكرانيا أو أي دولة أخرى بالقوة، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التوترات بين موسكو وواشنطن.

تداعيات منتظرة

لكن على الرغم من أن أي تدخل روسي في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي متجذر في الضرورات الجيوسياسية الأساسية لموسكو من حيث حماية نفسها من الجيران المناوئين أو القوى الخارجية، وترسيخ نفوذها في المنطقة، والحد من نفوذ القوى المنافسة، فإن هذا لا يعني أن تدخل روسيا في كازاخستان لن تكون له تداعيات، فضلاً عن أنها لا تضمن النجاح في تحقيق هدفها باستعادة النظام العام ودعم الرئيس الكازاخستاني.

ففي حين أن التدخل الروسي مدعوم من الحكومة، وجاء بدعوة من رئيس البلاد، فإن هذا لا ينفي وجود معارضة له داخل كازاخستان بما في ذلك عديد من المتظاهرين، وشخصيات المعارضة، الذين تحدثوا ضده ويمكنهم اتخاذ قرار بمقاومته الآن أو في المستقبل، علاوة على أن المشاركة العسكرية من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي مثل بيلاروس وقيرغيزستان وأرمينيا، وكلها لديها مشكلاتها الخاصة مع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، يمكن أن تجعل هذه البلدان أكثر عرضة للاضطرابات السياسية في المستقبل، وإذا كانت هذه القوات التي تقودها روسيا غير قادرة على تهدئة الوضع واستعادة النظام في كازاخستان، وربما في النقاط الساخنة مستقبلاً في جميع أنحاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فلا شك أن ذلك سيلحق ضرراً بالغاً بسمعة الكرملين، وفقاً لتقديرات يوغين تشوسوفسكي، الباحث في معهد نيولاينز.

أسئلة عميقة

وفي جميع الأحوال، فإن التدخل السريع من قِبل القوات الروسية ضمن منظمة معاهدة الأمن الجماعي يثير أسئلة عميقة، لأنها المرة الأولى في تاريخ المنظمة الممتد على مدى 30 عاماً التي تستجيب فيها لطلب المساعدة من دولة عضو، بينما رفضت التدخل في الاضطرابات الجماهيرية في بيلاروس عام 2020، أو أثناء تجدد القتال بين أرمينيا وأذربيجان في العام نفسه.

وفي حين لا تبدو قوة مكونة من 2500 جندي، قوة كبيرة لحفظ السلام في بلد مثل كازاخستان تعادل مساحتها تقريباً مساحة أوروبا الغربية، فإن حقيقة أن توكاييف كان سريعاً جداً في طلب المساعدة من المنظمة، تثير عديداً من الأسئلة عما إذا كانت أي صراعات داخلية على السلطة قد غذت القرار، وما إذا كان الرئيس توكاييف يثق بجيشه، على حد وصف مرتزاشفيلي، الأستاذة في جامعة بيتسبرغ، التي عبرت عن اندهاشها من طلب توكاييف من دولة أخرى أن تأتي وتطلق النار على مواطنيه، مضيفة أن دعوة القوات الأجنبية للدفاع عن المؤسسات الكازاخستانية ضد مواطنيها تثير أسئلة عميقة حول سيادة البلاد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى