رأي

هل تكون بعبدا الهزيمة الأكبر لباسيل؟

كتبت ملاك عقيل في اساس ميديا :

لكثير من الأسباب يرى متابعون أنّ التصويت في دائرة بعبدا قد يكون “عقابيّاً” في ظلّ لائحتين تُمثّلان “حالة الانفصام” في السياسة، ولائحة ثالثة يَصلُح وَصفُها بلائحة “الخيار الثالث”.

في آذار 2011 عقد التيار الوطني الحر برئاسة وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل مؤتمر “بعبدا بعد بدّا”. استفاض الأخير في الحديث عن حاجات القضاء و”مشاريعه” المستقبلية من كهرباء ومياه وحلّ أزمة الزحمة السكانية وعجقة السير وضرورة إنشاء محطة نقل في الضاحية بكلفة 62 مليون دولار، عازياً “سبب انقطاع المياه والكهرباء عن بعض المناطق إلى السرقة وعدم دفع الاشتراكات المستحقّة”.

لكن بالسياسة وطوال أكثر من 22 عاماً اختار باسيل التحالف مع الطرف السياسي الذي اتّهمه مباشرة أكثر من مرّة بالمسؤوليّة عن سرقة المياه والكهرباء والهدر والفساد.

لكثير من الأسباب يرى متابعون أنّ التصويت في دائرة بعبدا قد يكون “عقابيّاً” في ظلّ لائحتين تُمثّلان “حالة الانفصام” في السياسة، ولائحة ثالثة يَصلُح وَصفُها بلائحة “الخيار الثالث”

تكرّر الأمر في استحقاق 2022 الانتخابي، حين تغاضى التيار نفسه عن الاتّهامات التي أطلقها ليس فقط بالتحالف مع الفريق الشيعي المسؤول، برأيه، إمّا عن تغطية الفاسد أو بلّ اليد على مدى عقود بصفقات الفساد، بل وبتجاوز مشهد الطيّونة الدمويّ بـ”رشاقة” لافتة.

وَصَل الأمر بقيادات ومسؤولي التيار، وحتّى باسيل نفسه، إلى اتّهام حركة أمل والقوات اللبنانية بالتنسيق من تحت الطاولة في فاجعة الطيّونة. لكن “ما علينا”… مقاعد بعبدا وجزين أهمّ بكثير.

باكراً صدر القرار بالاجتماع في لائحة واحدة في بعبدا. كان يمكن للائحة الثنائي-التيار في بعبدا أن تكون من أولى اللوائح المعلنة في لبنان لولا معضلة التفتيش عن مارونيّين يخوضان معركة المقاعد المسيحية إلى جانب نائب التيار آلان عون.

نعيم عون ورمزي كنج

بدا الهاجس واضحاً ممّا يُعدّ على مستوى لائحة المعارضة، خصوصاً تلك التي تضمّ القيادي السابق في التيار، ابن شقيق رئيس الجمهورية، نعيم عون، والقيادي السابق رمزي كنج عن المقعد الشيعي، المنتميين إلى حركة “الخطّ التاريخي”، بالتحالف مع العميد المتقاعد خليل الحلو والدكتور جان أبي يونس.

أبقت “حركة أمل” و”حزب الله” على ترشيح فادي علامة وعلي عمّار. ودرزيّاً استبدل طلال أرسلان فادي الأعور بفاروق الأعور. لكنّ “فادي” استمرّ في ترشّحه إلى جانب لائحة عبدو سعادة مؤدّياً إلى شرخ داخل الصفّ الدرزي الموالي لدارة خلدة.

حكمت ديب وتململ حزبي

احتمال خسارة التيار للمرّة الأولى منذ 2005 مقعدين من أصل ثلاثة مقاعد للموارنة وارد جدّاً. فاسما شادي واكد الأسمر، المدعوم من رئيس البلدية جورج عون كبديل عن النائب حكمت ديب، والمرشّح فادي أبو رحال، ظهرا كديكور للاستفادة من مندوبيْهما ورفع أصوات اللائحة لأن ليس لهما حيثيّة مسيحية. إضافة إلى خسارة أصوات بلوك كلّ من الحزب القومي السوري الاجتماعي وتيار المردة، المؤثّرة جدّاً في لعبة الحواصل، والمرجحّ أن تصبّ في مصلحة لائحة المعارضة الأساسيّة في بعبدا.

وَصَل الأمر بقيادات ومسؤولي التيار، وحتّى باسيل نفسه، إلى اتّهام حركة أمل والقوات اللبنانية بالتنسيق من تحت الطاولة في فاجعة الطيّونة. لكن “ما علينا”… مقاعد بعبدا وجزين أهمّ بكثير

يُرصَد في هذا السياق عدم تفعيل الماكينة الانتخابية للتيار في بعبدا بالقوّة نفسها التي فُعِّلت بها في الاستحقاقات السابقة، والخلاف بين أعضاء التيار الذي زكّاه استبعاد النائب حكمت ديب والناشط ربيع طراف من السباق الانتخابي، إضافة إلى تململ حزبي صريح من التحالف مع حركة أمل.

أزمة القوات

لا يبدو وضع القوات اللبنانية في بعبدا أفضل حالاً. فمعراب التي “ركبت” موجة الثورة والمجتمع المدني تتحالف على رأس السطح مع أحد أكبر رموز المنظومة الحاكمة منذ التسعينيّات.

تحرص معراب على الإيحاء بأنّ الأمور “مش راكبة” بالسياسة والتكتيك الانتخابي مع الحزب التقدّمي الاشتراكي لحسابات مسيحية ولوازم شدّ العصب، لكنّ “المصلحة المشتركة” تفرض نفسها على الطرفين إلى حدّ تجاوز المطبّات من بعبدا إلى الشوف -عاليه والبقاع الغربي.

أمّا مارونيّاً فمصيبة القوات أكبر من التيار. ستتمكّن لائحة تحالف معراب-المختارة-حزب الأحرار من الخروج بمقعدين نيابيّين محسومين: ماروني لبيار بو عاصي ودرزي لهادي أبو الحسن. لكن على الضفّة المارونية ثمّة امتعاض كبير لدى “البعبداويين” من تبنّي القوات ترشيح كميل شمعون ابن الشوف. سقط الرجل بالباراشوت في بعبدا، فيما يرى متابعون لانتخابات بعبدا أنّه “كان بالإمكان التحالف مع شخصية أخرى لا تشكّل استفزازاً، وكأنّ هناك إيحاء بأنّ القضاء خالٍ من شخصيات ذات ثقل تستحقّ الترشّح”.

يضيف هؤلاء: “أصلاً لو كان شمعون من أصحاب الثقل الانتخابي الذين يفيدون القوات لكانت رشّحته في الشوف. وهو ما يعني أنّ “القوات” كانت تحتاج إلى “آرمة” الأحرار فقط”، مشيرين إلى أنّ “آخر تحرّك للأحرار في القضاء كان منذ نحو 30 عاماً حين كان ميشال عون جنرالاً في قصر بعبدا”.

تحرص معراب على الإيحاء بأنّ الأمور “مش راكبة” بالسياسة والتكتيك الانتخابي مع الحزب التقدّمي الاشتراكي لحسابات مسيحية ولوازم شدّ العصب، لكنّ “المصلحة المشتركة” تفرض نفسها على الطرفين إلى حدّ تجاوز المطبّات من بعبدا إلى الشوف -عاليه والبقاع الغربي

يرى خصوم القوات أنّ “ترشيح شمعون مستغرب فيما جرح داني شمعون لم يلتئم بعد”.

أمّا ألكسندر كرم نجل ابن رئيس البلدية السابق أنطوان كرم وخصم العونيين منذ 2005، فيهدف ترشيح القوات له إلى خرق الصفّ الكتائبي لأنّ عائلة كرم تاريخياً كتائبية الجذور، وإلى استرضاء الوزير السابق طوني كرم وأكبر عائلات الحدت، لكن على الأرض المفعول متواضع. ويمكن الاستدلال على القدرة التجييرية للمرشّح كرم من أرشيف معارك والده الخاسرة.

يُذكر أنّ لائحة القوات الاشتراكي تضمّ عن كلّ من المقعدين الشيعيّين سعيد علامة وسعد سليم.

أزمة المجتمع المدني

على صعيد لائحة المجتمع المدني والقوى المستقلّة، المفاوضات مستمرّة ولن تنتهي عمليّاً قبل انتهاء مهلة سحب الترشيحات وتسجيل اللوائح.

لكنّ هناك لائحة شبه مكتملة مؤلّفة من نعيم عون ورمزي كنج وخليل الحلو وجان أبي يونس، يرى متابعون أنّها الخيار الثالث المقدّم بصيغة تغييرية لأهالي القضاء.

من جهته يوزّع حزب الكتائب الوعود يميناً ويساراً، وينام على مرشّح ويستفيق على آخر، ويناور حتى اللحظة الأخيرة في تهديد صريح لمشروع تشكيل لائحة موحّدة تتمكّن من إحداث خرق “نوعي” في لائحتَيْ الثنائي-التيار ولائحة القوات-الاشتراكي، مع العلم أنّ حجمه الانتخابي لا يتعدّى 1500 صوت.

عمليّاً، مشكلة المرشّحين المستقلّين وقوى المجتمع المدني في بعبدا شبيهة بالعديد من البقع الانتخابية. مشاركات رمزية في تحرّكات الشارع، وكمّ من اللايكات في العالم الافتراضي، وحراك على السوشيل ميديا كافٍ بالنسبة إلى بعض المرشّحين لفرض أنفسهم رقماً صعباً على اللوائح.

يفرضون الشروط ويضعون الفيتو وتتحكّم بهم الـ”أنا” الانتخابية لمصلحة شخصية في تماهٍ مع شخصيات الأحزاب التقليدية. ونتيجة “البخار الكثيف في الرأس” هي ضياع وارتباك وإضعاف فرصة إثبات المستقلّين قدرتهم على قلب المعادلات.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى