أبرزرأي

مشروع تسوية.. وخياران: توافق بالتراضي أو تسوية بالإكراه

كتبت صحيفة “الجمهورية”: تشي الوقائع المرتبطة بالملف الرئاسي، باستحالة ردم الفجوة التي تفصل ما بين اطراف الصراع الداخلي، وهذه الإستحالة تتأكّد بالدليل القاطع في جلسات الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية. فيما ظلّ الملف اللبناني حاضراً على مائدة الدول، حيث كان ملف لبنان من ضمن جدول اعمال اللقاء الذي عُقد في بانكوك امس، بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ. وفي بيان للإليزيه، فإنّ الجانبين بحثا الوضع في لبنان والحرب في أوكرانيا. ودعا الرئيس ماكرون الى «انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في اقرب وقت، بهدف حسن تنفيذ برنامج الإصلاحات البنيوية التي لا غنى عنها لنهوض لبنان». وكان اتصال هاتفي قد جرى بين ماكرون وبن سلمان قبل ايام، توافقا خلاله على «تعزيز تعاونهما لتلبية الحاجات الإنسانية للبنان».


في الصورة الداخلية الملبّدة بكمّ لا يُحصى من التعقيدات تُضاف اليها نوايا صريحة بالاشتباك، لا المعارضة المشتتة، قادرة على ان توحّد صفوفها حول مرشّح معين، وإنْ حصلت معجزة وفعلت، وحشدت له كلّ مساحاتها الصّوتية، ومنحته إيّاها مجتمعة صبّة واحدة، فلن تؤمّن له الاكثرية التي تمكّنه من العبور إلى القصر الجمهوري. ولا جبهة الخصوم المشتتة بدورها، قادرة على جمع شملها، ولا على الالتفاف حول مرشح معيّن وحسم انتخابه. وما بين الجبهتين المتصادمتين هروبٌ متعمّد من محاولة بناء مساحة توافق لحسم هذا الملف، والتشارك في إلقاء السنارة الرئاسية في بحر الفراغ واصطياد الرئيس التوافقي.
يقدّم هذا المشهد شهادة لا لبس فيها، عمّا بلغته الحياة السياسية من انحدار، وما تشهده الجلسات الانتخابية الفاشلة يلخّص مدى الانقسام الداخلي، والعجز الفاضح لأطرافه عن استيلاد رئيس. والجنوح فقط نحو تعميق الفجوة اكثر، وإبقاء الملف الرئاسي قابعاً في قعرها، مقّيداً بالتحدّي والأحقاد والكيديات والاستفزازات والنكايات والافتراءات والمراهقات والولدنات، التي تتبدّى في تلك الجلسات وخارجها، كما في السفرات الخارجية لبعض المنتفخين.


وعلى ما تؤشر الوقائع، فإنّ المراوحة الصدامية طويلة الأمد، فأوراق جميع الأطراف باتت مكشوفة، وكذلك حجم كل منها، ومدى قوة حضوره وفعاليته في الملف الرئاسي، والخلفيات والدوافع والحسابات التي يرتكز اليها كل طرف في تغليبه لمنطق التحدّي والخصام على منطق التفاهم والوئام. وإذا كانت بعض الاوساط السياسية قد قدّرت لهذه المراوحة ان تستمر لأسابيع قليلة، ارتكازاً على انّ البلد لا يحتمل الاستمرار في دوامة فارغة تعمّق ازمته اكثر وتزيد من معاناة الناس، الّا انّ بقاءها في مدار الصوت العالي بلا ضوابط، سيمدّها حتماً الى أشهر وربما اكثر، ويشحنها بتعقيدات صعبة وألغام تستحيل فكفكة صواعقها. وعلى ما يقول مسؤول كبير لـ»الجمهورية»، إنّ «هذه المراوحة بالغيوم الداكنة التي تظللها، قد تخلق واقعاً مأساوياً، يصبح معه لبنان اشبه بلقيط مرمي على رصيف الدول، ينتظر يداً تلتقطه، فلا يجدها»

وكانت قد كشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» عن جهود جدّية لإنضاج تسوية رئاسية، مؤيّدة من جهة عربية معنية مباشرة بالملف اللبناني. وقالت انّه على الرغم من الصخب الدائر بين الجبهات السياسية الداخلية، فإنّ صلاحية هذا الصخب تبقى سارية المفعول الى ان تُصاغ التسوية التي ستجذب كل الاطراف اليها. ومن هنا فإنّ بعض الاوساط المعنية بالاستحقاق، تبلّغت عبر قنوات ديبلوماسية وغير ديبلوماسية بأنّ مشروع تسوية بات في طور التسويق، لا يرتبط برئاسة الجمهورية وحدها، بل عبارة عن سلّة متكاملة تتضمن التوافق المسبق على رئيس الجمهورية وكذلك على رئيس الحكومة المقبلة. واللافت للانتباه، انّ هذا المشروع ، وإن كان لا يلبّي طروحات قوى المعارضة، التي ذهبت بعيداً في اعتراضها وفي مواصفاتها للرئيس الجديد، فإنّ مستويات سياسية أساسية وفاعلة في المسرح السياسي اعتبرته «قابلاً للبحث الجدّي».


إلى ذلك، سعت «الجمهورية» إلى تفاصيل اضافية حول «مشروع التسوية»، فأكّدت المصادر «أن لا شيء جاهزاً حتى الآن، وبمعنى اوضح لا شيء رسمياً او جدّياً حتى الآن، طالما انّ مسار الامور وفق الجو القائم لن يوصل الى مكان، وسياسة الصعود الى الاشجار لن تمكّن احداً من تطويع الاستحقاق الرئاسي بما يخدم مصلحته ويحقق غايته. والحل للمعضلة الرئاسية له مسرب وحيد، هو الجلوس على الطاولة والتوافق على شخصية موثوقة لرئاسة الجمهورية، وكان يمكن ان يتأمّن هذا الحل لو انّ اطراف الخلاف الداخلي، قرّرت ان تبلغ سن الرشد السياسي، وتذهب الى هذا التوافق على رئيس بإرادتها. اما وقد قرّرت اطراف الداخل الاّ تتوافق، فستجد نفسها في نهاية المطاف منصاعة بإرادتها او رغماً عنها، لإرادة اكبر منها، فانتخاب الرئيس سيحصل في نهاية المطاف، عبر تسوية من ثلاث طبقات، الطبقة الاولى لبنانية وتتلخّص بالتوافق، والثانية عربية ترعى هذا التوافق وتساعد عليه، والثالثة دولية تكمل الرعاية وتحصّن التوافق. وهذا ما سيحصل في نهاية المطاف. فلنتوافق بإرادتنا، حتى لا ينجرّ البعض الى هذا التوافق مكرهاً».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى