أبرزرأي

ما أبعاد الحراك الجنبلاطي الأخير في ميزان 8 آذار؟

كتب إبراهيم بيرم في صحيفة “النهار” المقال التالي: اقتحم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المشهد السياسي الآخذ بالاحتدام والتعقيد من خلال ثلاث خطوات عملانية متزامنة بدأها في الساعات الماضية، من شأنها أن تضيف وقعاً جديداً يكسر رتابة مسرح الأحداث خصوصاً على مستوى ملء الشغور الرئاسي وهي:

– دعوة “حزب الله” الى جلسة حوار وتشاور في كليمنصو هي الثانية بعد جلسة أولى انعقدت قبل نحو خمسة أشهر.

– الإضاءة الإعلامية على زيارة موفد جنبلاط الدائم للرياض النائب وائل أبو فاعور.

– التلويح بخيار مقاطعة كتلة “اللقاء الديموقراطي” لجلسات انتخاب الرئيس في مجلس النواب إن بقيت على منوالها الرتيب والمعروفة النتائج والعديمة الجدوى لكثرة تكرارها.

عندما اختار جنبلاط المتأصّل في اللعبة السياسية أن ينطلق في هذا الحراك النوعي بعد فترة من الابتعاد، إنما كان يتلقف لحظة سياسية متحركة ومثقلة بالتطورات والمستجدات. فخلال فترة الكمون التي مارسها منذ نحو شهرين عندما غابت مواقفه النارية المثيرة مكتفياً خلالها بالحد الأدنى الذي يؤمن له عدم غياب عن المشهد، لمس ولا ريب لمس اليد حجم الجهود الكبيرة التي يتعين على طرفي الثنائي الشيعي أن يبذلها لكي يؤمن ما يعتبره ظروفاً آمنة توفر له مهلة زمنية ليفرض في نهايتها الأمر الواقع الذي يريده الحزب نسجاً على منوال تجربة العامين والنصف اللتين سبقتا جلسة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً.

وفي تفصيل أوسع فإن جنبلاط كان يترصّد واقعة أن مروحة خصوم هذا الثنائي انطلقوا لتوّهم في رحلة اعتراض أكبر على أدائه وتوجهاته المضمرة والمعلنة على حد سواء من خلال إطلاقهم الحملات التي تؤمن لهم أرجحية للإمساك بزمام المبادرة وحشر الطرف الخصم وتظهيره بمظهر المدافع عن نفسه.

وما لبثت استشرافات زعيم المختارة أن بدأت تتبدّى على الأرض إن من خلال رفع بكركي صوتها المدوّي احتجاجاً على ما سمّته محاولات إفراغ المناصب المسيحية العليا في الدولة توطئة لاجتياحها في يوم من الأيام، وإن من خلال شروع حزب “القوات ال#لبنانية” في رفع راية الاعتراض الشرس على كل محاولات إيصال رئيس يكون موالياً للفريق الآخر أو مسمّى من جانبه حتى إن اقتضى الأمر المضيّ نحو الطلاق، وهو ما حاول رئيس الحزب سمير جعجع أن يخفف من وطأته وردة الفعل عليه لاحقاً من خلال التلويح بخيارات تصعيدية مفتوحة من “أجل تحرير البلاد والعباد من سطوة حزب الله وحلفائه في محور الممانعة الذي أوصلنا الى أتون جهنم الذي نتخبط به يومياً”.

وتجسّد ثالث التطورات النوعية المستجدة في الاعتصام المفتوح الذي بدأه بعض نواب “التغيير” منذ الخميس الماضي في حرم مجلس النواب احتجاجاً كما صرّح النائب ملحم خلف “على طريقة إدارة جلسات الانتخاب في المجلس” وهو حراك وإن أحيط بالكثير من الشكوك في نتائجه المتوخاة، فإنه كان ذا صدى ووقع وفرض نفسه على المسرح السياسي ووضع كل القوى أمام خيارَي الانضمام إليه وتمجيده أو الاعتراض عليه ومعاداته أو الترحيب به مع الاستنتاج سلفاً أنه لن يقدّم أو يؤخر، ما يجعله خطوة استعراضية من جانب الدعاة إليه.

ولا شك في أن جنبلاط، الخبير العليم بالتقاط الإشارات والرسائل، قد علم أخيراً بحجم الدعم الداخلي والخارجي المتسع الذي تلقاه تسمية قائد الجيش العماد جوزف عون لملء الشغور الفارض نفسه على قصر بعبدا منذ نهاية تشرين الأول الماضي.

وانطلاقاً من كل هذه المعطيات والوقائع كان حراك جنبلاط الثلاثي الأبعاد، خطوة استباقية، فولج الى هذا الحراك من خلال ثلاثة مداخل يعلم طبعاً مداها.

فجنبلاط الذي يعرف بطبيعة الحال محورية دور “حزب الله” في المشهد، يعلم أيضاً أن الحزب محرج وإن بدا سيد لعبة امتصاص الوقت واستيعاب الصدمات، ولأنه أيضاً يعلم يقيناً أن الحزب قرر أخيراً أن يخفض جناح التواضع خلافاً لعادته وأن يظهر الحد الأدنى من التصعيد، ولذا سارع جنبلاط الى “ترتيب” اللقاء مع اثنين من قياديي الحزب وهما حسين الخليل ووفيق صفا.
وحسب المعلومات عن هذا اللقاء من طرفيه فإن جنبلاط ظهر بمظهر المتحدّث والمبادر حيث رسم ما يراه خريطة الخروج من مشهد التعقيد فيما بدا وفد الحزب منصتاً مستمعاً. ووفق المعلومات نفسها فإن حديث جنبلاط تركّز على أمرين متلازمين الأول صعوبة إيصال مرشح الحزب سليمان فرنجية الى سدّة الرئاسة الأولى والثاني ضرورة الانتقال الى البحث عن البديل التوافقي مقترحاً اسماً من ثلاثة أسماء وهم الوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح إدوار حنين، والمفاجئ كان طرحه اسم قائد الجيش العماد جوزف عون.

ووفق المعطيات فإن جنبلاط الذي هو على علم مسبق ولا ريب باستحالة أن يتبنّى الحزب الاسمين الأولين كان يحاول عبر الاسم الثالث أن يوصل رسالة مشفرة للحزب فحواها: دعونا نفكّر جدياً في السير بهذا الخيار. ولا شك أن الحزب كما سواه فوجئ بأن يكون جنبلاط سحب اعتراضه المعروف على لعبة إيصال قادة الجيش الى الرئاسة وهو موقفه التقليدي وموقف والده. لذا بدا العرض تطوراً ينطوي على كثير من الأبعاد المضمرة والمعلنة.

واللافت أيضاً أن وفد الحزب لم يعط إجابة واضحة ولم يبادر الى مناقشة جنبلاط في خياراته. وفي كل الأحوال ثمة من ينقل عن أوساط مقربة من الحزب أن الجهات المعنية في الحزب كانت على علم مسبق بما سيقدمه جنبلاط من عروض لكن أمر الدعوة بالنسبة لها كان أمراً مغرياً لا يمكن رفضه أو تسويفه خصوصاً أن الحزب أعلن منذ زمن أنه منفتح على الخيارات التوافقية لكي يبعد عن نفسه شبهة التعطيل والتعقيد واستطراداً التصعيد.

أما كشف التقدمي عن زيارة أبو فاعور للرياض مع أن الأمر كان يجري سابقاً بعيداً عن الأضواء فمعناه أن جنبلاط يريد من خلال هذا الكشف إظهار محورية دوره الداخلي والخارجي. فضلاً عن ذلك فإن جنبلاط بدا من خلال هذا الكشف أنه على استعداد لأداء دور أكثر محورية في إنتاج صيغة تسووية ساعة تنضج الظروف على الضفتين.

أما ما هي أبعاد تلويح كتلة جنبلاط النيابية بمقاطعة جلسات الانتخاب في المجلس، فلا شك أن ثمة من يجد في هذه الخطوة عامل إزعاج خفياً للحليف التاريخي لجنبلاط وهو الرئيس نبيه بري لاعتبارين الأول أن بري لن يكون مرتاحاً لأي فعل ينتقص من دوره في إدارة الجلسات، والثاني أن الرجل مستفز أصلاً من اعتصام نواب “التغيير” في حرم المجلس.

ومع إدراك جنبلاط لواقع الحال هذا فإنه بدا مضطراً لأن يظهر تمايزاً ويبدي انزياحاً أكبر لقوى الاعتراض والتغيير الآخذة بالتصعيد فضلاً عن مراعاة الاعتراض المسيحي المتعالي على الفراغ الرئاسي.

لا يخفى على سياسي مخضرم وضالع في اللعبة أن إنتاج الحلول وفرضها أشد تعقيداً لكن مثله لا يمكن إلا أن يكون مبادراً متحركاً.

إن الآراء الموجودة في هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى