كتبت ريما فرح في “الميادين نت”: لم يكن مؤتمر بغداد 2″ على قدر آمال الكثيرين الذين عوّلوا عليه، سواء لجهة المصالحة بين السعودية وإيران، أو لناحية بداية إيجاد مخرج للأزمة في لبنان، الذي غاب عن أي تمثيل بحجة عدم وجود رئيس للجمهورية بعد الفراغ المستمر منذ نهاية عهد الرئيس ميشال عون.
تكفّلت فرنسا بتبرير عدم حضور لبنان لهذا المؤتمر الذي ضم الدول المحيطة، وتم الإعلان عن أبعد من ذلك، فحكي عن زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان عشية عيد الميلاد، غير أن الزيارة أرجئت من دون تحديد موعد آخر أو حتى تبرير. وهو ما طرح تساؤلات عديدة حول الدبلوماسية الفرنسية ودورها في تأدية دور “الوسيط” المتمسك، منذ انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020، بضرورة النجاح في إيجاد مخارج وحلول للأزمة اللبنانية.
تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الرئيس ماكرون بعد الإحساس بفشل مساعيه المباشرة، استحضر نصيحة أحد مستشاري الرئيس السابق فرنسوا ميتران، عن حقبة الأخير وتجربته مع اللبنانيين حين كانت فرنسا “الأم الحنون” للبنان. وقد خرج ماكرون بخلاصة واحدة محددة، أن السياسيين في لبنان أخرجوا فرنسا منه خلال عهد الرئيس ميتران، وأنّ الدخول في هذا المستنقع لن يجلب إلا الضرر للدبلوماسية الفرنسية.
لكن ماكرون لم يلتزم بالنصيحة، بل أكمل طريقه نحو لبنان لعل عهده سيسجل تغييراً، غير أنّ التاريخ يكرّر نفسه على ما يبدو. فالرئيس الفرنسي خرج عن طوره ولباقته السياسية حين توجه بضرورة تغيير القادة السياسيين اللبنانيين وإزاحة الذين يعرقلون الإصلاحات، بعد إخفاقه أيضاً في إدراج الملف اللبناني على هامش جدول أعمال قمة عمان، ما اضطره للقول إن هذا البلد غير موجود على جدول اهتمامات الدول، وبالتالي: أيها اللبنانيون لا أحد ينقذكم إلا أنتم من الداخل”فلا تتساهلوا مع القوى السياسية، وسيروا بالإصلاحات من خلال إعادة هيكلة النظام المالي ووضع خطة مع رئيس نزيه ورئيس حكومة نزيه وفريق عمل ينفذها”.
الكلام الفرنسي عكس تخبطاً في القراءات السياسية داخل لبنان، وخلاصته هل قصد الرئيس ماكرون رئيس مجلس النواب نبيه بري؟ هل عادت فرنسا إلى مربع الاصطفافات غير المجدية فأخرجت نفسها من لبنان عبر رمي الكرة نحو شخصية واحدة تمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين وتمثل تحالفات أو نقطة التقاء الجميع عندها؟ كلام ماكرون هذا ومن قصده لا يغير لا في الوضع اللبناني، ولا يساهم في حل الأزمة، ولا يفتح أبواب الحل.
ما حصل هو أن فرنسا هربت إلى الخلف بعد أن فشلت في تقديم الملف اللبناني على الملفات الأخرى في المحافل الإقليمية والدولية، وبعد أن خذلها السياسيون اللبنانيون الذي اعتقد الرئيس ماكرون أن الطاولة الواحدة التي جمعتهم برئاسته في قصر الصنوبر كانت خرقاً للمشهد اللبناني المتشنّج. إلا أن ما فات الرئيس الفرنسي هو أنّ للبنان تركيبة غريبة خارجة عن الأعراف السائدة، فليس فيه قطيعة دائمة ولا عداوات مستمرة ولا تحالفات مقدسة، وأن المساعدة لا يمكن أن تأتي من الداخل وربما فرنسا وحدها لا تفي بالغرض، لأنّ دورها الداخلي في لبنان يدور في فلك الحنين إلى الماضي والتاريخ، وهو خرج منه منذ الحرب الأهلية اللبنانية، وجميع الاتفاقات التي أنهت الحروب المتتالية لم تخرج بفضل المساعي الفرنسية.
فإنّ كل ما نجحت فرنسا فيه هو تحويل لبنان إلى سوق ” outlet”. فأرسلت باصاتها المستخدمة إلى سوقه الذي يحتاج إلى سائقين ورواتب وضمانات تكاد تكون غير متوفرة وبتسعيرة لبنانية مرتفعة (70 ألف ليرة أي 140 ألف ليرة لبنانية ذهاباً وإياباً) وهو رقم مرتفع بالنسبة إلى أصحاب الدخل المحدود الذين أصبح عددهم كبيراً جداً. وبالطبع لا ننسى أيضاً الباصات القطرية والمعونات الغذائية وما يسمى بالمساعدات الأميركية من آليات لوجستية قديمة العهد، ناهيك عن مساعدات مقننة ووضيعة.
فرنسا من شعار إسقاط النظام إلى طاولة جامعة تضم قادة هذا النظام، إلى الغزل المباشر لحزب الله وشرعيته المكتسبة من الشعب إلى شيطنته على خطى الولايات المتحدة، إلى المطالبة بالإصلاحات فالتصويب على هدف محدد، تخرج رسمياً من لبنان الذي أصبح في مكان آخر من حيث امتداداته إلى الخارج واصطفافاته خلف المحاور عدا عن الشخصانية التي تطغى على أداء قياداته التي تتقاسم الفساد في الوقت الضائع، بعد أن أجهزت على قدرات الدولة حين كانت مجتمعة تحت سقف المؤسسات والمواقع الرسمية.
تنتظر فرنسا اليوم عودة الاتفاق النووي الإيراني إلى مساره، وبالتالي تنتظر أن تدخل بلادها في دورة اقتصادية جديدة لتعود بسياسة فعالة في محيطها أقله، علماً أن العلاقات متوترة جداً مع إيران على خلفية الموقوفين الفرنسيين السبعة. فخيط الحرير الذي كان يربط باريس بطهران بدأ بالتمزق وعلى فرنسا عدم الخوض بسياسات العداء فهناك من ينتظر سقوط أوروبا وباريس تحديداً والحذر “الماكروني” مطلوب! وإلى حين تأتي ساعة الحل لا يسع الشعب اللبناني إلا أن يذكّر العالم وماكرون أن لبنان ليس “outlet