رأي

هل غدر الرئيس الفنزويلي بجو بايدين؟!

كتبت عبير الفقيه في صحيفة الجزيرة:

لطالما استأسدَ نظام الزعيم شافيز في فنزويلا على المعارضة طوال المحطات الانتخابية منذ عقدَين تقريبًا، ولعلّ آخرها معركة 2019 مع المعارض خوان غوايدو، الذي انتهى به المطاف لاجئًا في الولايات المتحدة.

غير أنّ خطاب الاستخفاف بالمعارضة واتّهامها بالعمالة لواشنطن، لم يعد يؤتي أكله لدى أغلبية الشعب الذي اصطلى بنار الجوع والفقر، وهبّ لدعم مرشّحة المعارضة ماريا ماتشادو، في استطلاعات الرأي الخاصّة بالانتخابات الرئاسيّة لنهاية العام الجاري.

ومن الواضح أنَّ الرسالةَ وصلت نظام الرئيس مادورو، فاستيقظ الجميع على قرار من المحكمة العليا، ينصّ على عدم أهلية ماتشادو لخوض السباق الرئاسي!

تشكيك بنزاهة الانتخابات

هناك تفاصيل تخصّ الشأن الداخليّ الفنزويليّ وأخرى دولية، ساهمت بشكل كبير في الوصول إلى هذه النتيجة. أما عن الشأن الداخلي، فيعكس بالضرورة الدفاع المستميت للرئيس مادورو ورموز حكومته، عن مشروع الزّعيم اليساري شافيز الذي تولى رئاسة فنزويلا منذ 1999، حتى وفاته في 2013، ثمّ تولّى نائبه مادورو في ذلك الوقت منصب الرئاسة مؤقتًا، عملًا بنصوص الدستور، وانتقاله إلى الفوز بالمنصب بشكل رسمي في 2014.

وبالتالي فإن الفنزويليين- وبغض النظر عن مدى نجاح الزعيم شافيز أو مادورو من بعده في إدارة البلاد- محكومون من التيار السياسي نفسه منذ 25 سنة، ومن المحتمل جدًا أن يواصل هذا التيار استئثاره بالحكم لمدة 5 سنوات قادمة، في ظل المعطيات الحالية. وقد أثارت كل المحطات الانتخابية تشكيكًا في نزاهتها.

وفي نفس السياق، شهدت الساحة الانتخابية مؤخرًا أحداثًا، زادت من مستوى التشكيك في نوايا النظام الحاكم. حيث إنه وقبيل إجراء الانتخابات التمهيدية للمعارضة – التي يتم خلالها الاتفاق على مرشح واحد للانتخابات الرئاسية القادمة، للوقوف في وجه مرشح النظام- أعلن المجلس الانتخابي حلّ نفسه، وهو الذي كان من المفترض أن يشرف على هذه الانتخابات التمهيدية، واعتبرت المعارضة أن ذلك القرار هو “عملية تفجير من الداخل”، للحيلولة دون اتفاق المعارضة، وبقائها متشرذمة.

وأمام الضغوط الخارجية، تمّ التوصل إلى تكوين مجلس جديد، بأغلبية أعضاء من النظام الحاكم، قبل شهرَين من إجراء انتخابات المعارضة الداخلية. ورغم أنّ مرشحي المعارضة تقدموا بملفات ترشحهم، إلا أن المجلس لم يرفض ملف ماتشادو في ذلك الوقت، بسبب وجود نقائص أو أخطاء.

لكن وبعد أن حصدت ترشحها عن المعارضة – بأغلبية ساحقة أمام رفاقها، ثم تأكد ارتفاع شعبيتها في استطلاعات الرأي على حساب الرئيس مادورو في الشهرين الأخيرين – أعلنت المحكمة العليا، بشكل مفاجئ نسبيًا، عن عدم أهليتها للترشح؛ بسبب “ضلوعها في المؤامرة التي قادها خوان غوايدو ضد فنزويلا في 2019″، وأدّت إلى تسليط عقوبات على فنزويلا ومصادرة أموالها في الخارج.

وخوان غوايدو برلماني، تم انتخابه رئيسًا لبرلمان 2019، وبعد ذلك بأيام أعلن نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد بعد موافقة أغلبية برلمانية وبمباركة من الولايات المتحدة و59 دولة أخرى؛ احتجاجًا على إعادة انتخاب الرئيس مادورو في انتخابات أواخر 2018، لكن الرئيس مادورو وحكومته لملموا الأزمة وأجهضوا خُطة غوايدو وحلفائه.

ضغوط غربية

أمّا التفاصيل الدولية التي قادت إلى المشهد الانتخابي الحالي، فتتمثل في ارتفاع حجم الضغوط الغربية المطالِبة الرئيسَ مادورو وحكومتَه بمنح المعارضة أجواء ديمقراطية للتموقع والتحضير لخوضها غمارَ الانتخابات أمام الحزب الحاكم، في كنف النزاهة.

إضافة إلى ذلك، وعلى خلفية المراجعات التي فرضتها الحرب الروسية – الأوكرانية، قامت إدارة الرئيس بايدن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بتخفيف العقوبات الأميركية على فنزويلا وقبولها بصفقة تبادل سجناء، نصّت على تسليمها 32 اسمًا في سجون فنزويلا، مقابل تسليم سجين واحد، من الحجم السياسي الثقيل لفنزويلا، وهو الدبلوماسي أليكس صعب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وكل ذلك مقابل، تعهّد الرئيس مادورو بضمان إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة.

المُثير في الأمر، أنّ قرار المحكمة العليا في فنزويلا بإزاحة مرشحة المعارضة ماتشادو من السباق الانتخابي وحرمانها 15 سنة هي والمرشح الثاني رفيقها أنريكي رادونسكي، من تولي المناصب العامة، يأتي بعد سلسلة من الأحداث تُرجّح القراءة القائلة بأن القرار انتقاميّ، ويعكس مخاوف النظام الحقيقية من فوز ماتشادو بالرئاسة القادمة. لاسيما أن التهمة الموجهة لها قديمة، وكان من الممكن أن تعلنها المحكمة قبل ترشح ماتشادو، لا بعد فوزها.

البعض يرى أن الرئيس مادورو “غدر” بنظيره الأميركي، وتراجع عن شرط “إجراء انتخابات حرة ونزيهة”، بعد عودة تدفق نفط فنزويلا في الأسواق الدولية واستعادة الرجل ذراعه اليمنى في الخارج “أليكس صعب”.

شعارات فارغة

إضافة إلى ذلك، يبدو أن تراجع الرئيس مادورو عن اتفاقه مع نظيره الأميركي، جاء على إثر انزعاجه من التقارب الواضح بين الولايات المتحدة ودُويلة غويانا، الجارة الشرقية لفنزويلا، التي جددت معركتها حول منطقة إيسيكيبو المتنازع عليها مع فنزويلا، ومنحت شركات النفط الأميركية عقود تنقيب في المياه المتنازع عليها، إضافة إلى الحديث عن احتمال تأسيس قاعدة عسكرية في غابات إيسيكيبو.

أما بالنسبة لموقف واشنطن، فكان متوقعًا، حيث أدانت قرار المحكمة العليا بمنع ترشح ماتشادو للانتخابات الرئاسية القادمة، بعد ساعات قليلة من إعلانه، ولوّحت بمراجعة العقوبات المسلطة على فنزويلا، على خلفية ما أقدم عليه القضاء الموالي للنظام الحاكم، حسب تعبير المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر.

بغض النظر عن تربّص الإدارة الأميركية بأخطاء النظام الفنزويلي، وحرصها الشديد على إعادة فنزيلا إلى الحِضن الأميركي، من خلال النفخ في المعارضة الفنزويلية، والدفع برموزها إلى مواجهة الرئيس مادورو وهزيمته بأي ثمن، فإن شعارات المقاومة والسيادة التي يرفعها نظام الرئيس مادورو لإقناع شعبه بعمالة المعارضة، لم تعد تجد آذانا مصغية أمام تفشي قضايا الفساد المالي في أوساط رموز النظام الحاكم، وتفشي الفقر والبطالة في المقابل، في أغلب فئات المجتمع.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى