باسم المرعبي ـ ناشر موقع “رأي سياسي”:
خطفت التطورات الدراماتيكية المتسارعة في سوريا الأضواء في المنطقة، سيما وأن ما يحدث جاء بعد أيام قليلة من وقف الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على لبنان مخلفة خسائر كبيرة في البشر والحجر.
وتجمع المعطيات المتوافرة إلى أن ما يجري في سوريا ليس حدثا عاديا، بل هو مخطط له بإشراف إقليمي ودولي يخشى أن يكون الهدف من ورائه تقسيم سوريا وإدخال الدول المجاورة لها في آتون فوضى عارمة لا يعلم على ماذا ستستقر إلا الله.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء سقوط مدن كبيرة بيد عناصر أحرار الشام كأحجار “الدومينو” من دون أن يكون هناك مقاومة فعلية من قبل الجيش السوري ، فإن لبنان سيكون حتما من أكثر الدول تضرراً من وراء ما يجري في سوريا والتى يمكن أن يتدحرج إلى اندلاع حرب أهلية، حيث يخشى أن تطال شظايا هذه الحرب لبنان على اكثر من مستوى، لا سيما المستوى الأمني والنزوح، سيما وأن ما حصل في السنوات الماضية في سوريا ما تزال آثاره السلبية على لبنان ماثلة أمامنا خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
وبما أن الجميع في لبنان يحذر من تداعيات الأحداث في سوريا، لا بد وأن يتم التعامل مع ما يجري بشكل مختلف كليا عن الفترة الماضية، وأن يكون هناك موقف موحد حيال مواجهة التداعيات، سيما وأن لبنان لم ينفض عنه بعد غبار الحرب الإسرائيلية التي كبدت لبنان خسائر تقدر بالمليارات إضافة إلى الخسائر الكبيرة في الأرواح، وهو الآن لا حول ولاقوة له على تحمل أعباء الحرب السورية.
ولتفادي الحمل الثقيل الذي قد ينتج عن هذه الحرب لا بد اولا من عدم التدخل المباشر فيها وأخذ موقف النأي بالنفس والمساعدة في عملية وقف الحرب إسوة بدول الجوار لا سيما وأن الجميع يدرك أن ما يحصل هو نتيجة مؤامرة كبيرة هدفها تغيير الواقع الموجود حاليا في المنطقة برمته.
ولتدارك فخ النزوح السوري الذي وقع لبنان فيه منذ عدة سنوات والذي ما يزال يتحمل تداعياته الخطيرة إلى الآن، لا بد من ضبط الحدود ومنع أي فوضى محتملة على مستوى الذين سيهربون من جحيم هذه الحرب، وهذا يتطلب قرارات موحدة وشجاعة من قبل المسؤولين في لبنان، وعدم الإذعان لأي طلب خارجي يتعلق بهذا الأمر، والعمل على قاعدة ” من جرب المجرب بيكون عقله مخرب”، خصوصا وأنه لبنان قد يتعرض لضغوط أميركية وأوروبية لاستقبال أعداد كبيرة من النازحين الجدد من دون أن يكون هناك ضوابط أو تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لكي يستطيع لبنان تحمل أعباء هذه الأزمة التي هي الآن من أكبر الأزمات التي لا قدرة له على مواجهتها، سيما وأن ذيول النزوح الداخلي التي شهدها لبنان نتيجة الحرب الإسرائيلية التي توقفت بفعل اتفاق “هش” لم تنته بعد، لا بل هناك خوف من عودة هذه الحرب لا سمح الله، كون أن العدو الإسرائيلي لا آمان له وهو لا يأبه للقرارات الدولية التي تعود على ضربها بعرض الحائط، وبالتالي لن يكون هناك قدرة على تحمل نزوحين، خصوصا وأن هناك نازحين سوريين استوطنوا في لبنان بحجة أن البعض منهم لا يستطيع العودة خوفا من النظام، والبعض الآخر لا يستطيع خوفا من سيطرة المسلحين على مناطقهم، لكن حقيقة الأمر أن جمعيات ومنظمات دولية تدفع باتجاه بقائهم في لبنان من خلال إغرائهم بالأموال وإخافتهم من العودة، علما أن هناك أعداد كبيرة ممن نزحوا إلى لبنان في العام 2011 هم من دمشق وطرطوس واللاذقية وغيرها من المدن والقرى التي هي آمنة اليوم، وقد ظهر جليا أن باستطاعة الكثيرين العودة إلى سوريا من خلال ما حصل في فترة الحرب الإسرائيلية على لبنان ، حيث عبر الحدود إلى سوريا مئات الآلاف من النازحين السوريين إلى سوريا ، وهذا يعني أن حجج بقائهم في لبنان هي حجج واهية ولأسباب لا صلة لها بالوضع الأمني على الإطلاق.
وأختم لأقول بأن التنبيه من مخاطر نزوح جديد وضرورة التعامل مع اي مستجد ليس من منطلق عنصري لا سمح الله، بل هو لمصلحة الشعبين والبلدين لأن ما يحصل الآن هو نتيجة مخطط مخيف ستكون له تداعيات خطيرة على لبنان وسوريا على حد سواء ما لم يتم التعامل مع ما يجري بروية ودراسة تمنع عن لبنان شرب كأس النزوح المر الذي شربه وما يزال منذ ثلاثة عشرة سنة.