فضيحة التعليم العالي: متى تُقفل الدكاكين الجامعية؟
الأخبار
فاتن الحاج
«الفلتان» في قطاع التعليم العالي الخاص ليس جديداً. كل ما فعله القرار الأخير لوزارة التعليم العراقية هو الكشف عن أزمة «تورمت» وحان استئصالها. المسألة ليست بيع وتزوير شهادات بقدر ما هي مسؤولية القيمين على القرار في الجامعة عن خرق المعايير والشروط لنيل الشهادة لا سيما في مرحلتي الماستر والدكتوراه
حتى الساعة، لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات اللبنانية حيال تشكيك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية في صدقية شهادات عدد من الجامعات اللبنانية وتعليق الدراسة، تحديداً في كل من الجامعة الإسلامية وجامعة الجنان والجامعة الحديثة للإدارة والعلوم. في الواقع، لا يدعو الصمت «المريب» إلى التعجب في قطاع متروك لمصيره، ويمكن أن ينفجر في أي لحظة مع تكاثر مَرَضي لجامعات مخالفة ومزورة تفلّتت، بغطاء حزبي وطائفي، من المحاسبة على مدى عقود، فيما لم يقفل فرع جامعي جغرافي واحد غير مرخص. وليس مستغرباً ما يحصل في ظل غياب تام لرقابة وزارة التربية. فلم تكلف السلطة السياسية نفسها عناء تعيين مدير أصيل للتعليم العالي يتفرغ لهذا الملف الشائك، إذ يشغل حالياً المنصب بالتكليف المدير العام للتربية فادي يرق، في حين انتهت ولاية مجلس التعليم العالي الحالي المحددة بثلاث سنوات، علماً بأن وزير التربية السابق، طارق المجذوب، عطّل المجلس، تحت حجج واهية، طيلة سنتين كاملتين فلم يجتمع سوى 6 مرات فقط، بينما يلزمه قانون تنظيم التعليم العالي الرقم 285 عقد اجتماع واحد في الشهر على الأقل، وإذا لم يستكمل الجدول في جلسة معينة يُعقد اجتماع آخر خلال أسبوع لاستكماله.
«الفلتان» في التعليم العالي ليس جديداً أو مستجداً، ولا يتعلق بالطلاب العراقيين وحدهم، إنما بجميع الطلاب بمن فيهم الطلاب اللبنانيون الذين نال بعضهم شهادات وفّرتها سياسات جامعات تغيّب المعايير والشروط اللازمة لنيل الشهادات لا سيما في مرحلتي الماستر والدكتوراه، مستفيدة من الحمايات السياسية لها.
القرار العراقي جاء ليؤكد أن التلاعب «المعهود» بالشهادات والمستوى التعليمي في الجامعات اللبنانية تفشى، أخيراً، بصورة خارجة عن المألوف، وطاف على السطح في العراق، خصوصاً مع نيل أمين عام مجلس الوزراء العراقي حميد الغزي دكتوراه من الجامعة الإسلامية. ضجت القصة منذ نحو شهرين في العراق، وفتح الملف. ودفع ذلك الوزارة العراقية إلى التشدد في الاعتراف بشهادات الجامعات اللبنانية عبر «إخضاع جميع الرسائل والأطروحات للطلاب العراقيين الذين ينهون دراستهم في الخارج إلى فحص الاستلال الإلكتروني (plagia) أي نسخ المعلومات عن مواقع أخرى من دون إسنادها إلى مصادر، واعتماد نسبة 20 في المئة كحد أعلى لنسبة الاستلال المقبولة، والاستعانة بالجامعات العراقية لغرض الاستلال الإلكتروني لجميع الرسائل والأطروحات، وإخضاع جميع الطلاب العراقيين الذين ينهون دراستهم خارج العراق إلى تقييم علمي من خلال عرض حالات الطلاب على اللجان العلمية المختصة، على أن تتم إحالة الطلاب إلى الجامعات للاختبار وكل حسب اختصاصه في حال عدم قناعة اللجنة».
الوزارة العراقية خصت 3 جامعات وسمتها بالاسم، وأشيع بأن اتصالاً جرى بين وزير التربية اللبناني عباس الحلبي ووزير التعليم العراقي نبيل كاظم الصاحب لحصر القرار بهذه الجامعات، بعدما كانت الوزارة العراقية تنوي تعليق دراسة الطلاب العراقيين في كل الجامعات اللبنانية ما عدا الجامعة اللبنانية.
تشمل الفضيحة طلاباً لبنانيين نالوا شهادات ماستر ودكتوراه مستفيدين من حمايات سياسية
الرئيس السابق للجامعة اللبنانية فؤاد أيوب قال لـ «الأخبار» إن الجامعة اللبنانية تطبق على جميع الطلاب الأجانب في الدراسات العليا الشروط والمعايير نفسها التي تطبقها على الطلاب اللبنانيين، «فالكل يخضع للاختبار والمناقشة الحضورية وكل الإجراءات المعتمدة، وهناك كوتا محددة للطلاب العرب والأجانب في كل من المعاهد الثلاثة للدكتوراه». وعلى رغم حملة الاعتراضات الكثيرة التي واجهتها الجامعة لجهة تحديد أعداد مسبقة للمقبولين في كل اختصاص، بدا أيوب مقتنعاً بأن هذا القرار كان صائباً لجهة قطع الطريق على أي مساس بالمستوى التعليمي وصدقية الشهادات الجامعية.
وفق مصادر أكاديمية مطلعة، المسألة لا تتصل بتزوير شهادات جامعية، وإن حصل التلاعب بأوراق رسمية عبر موظفين في الجامعات أو مكاتب وسيطة للتسجيل وهذا جائز دائماً، إنما القضية تتعلق بملف إداري استراتيجي يتحمل مسؤوليته القيمون على القرار في الجامعة التي تمنح الشهادة، لا سيما لجهة خرق المعايير والشروط الواجب تطبيقها، وهي شروط تنال عليها الجامعة الرخصة عند مباشرة التدريس وإنشاء الاختصاص من دون أن تكون هناك متابعة دورية من وزارة التربية بشأن الاستمرارية فيه، ما يتطلب إعادة الضبط والمحاسبة التي لا يجب أن تقتصر على اتخاذ تدابير بحق عدد من الموظفين «وبتطلع براسهم فقط».
المصادر لفتت إلى أن الجامعة الإسلامية، مثلاً، وافقت على تسجيل «عدد مهول من الطلاب العراقيين في الماستر والدكتوراه، يتجاوز الألف طالب في كل اختصاص، وهذا غير موجود في أي بلد في العالم، وعمدت في أحد الاختصاصات مثلاً إلى توزيع تدريس مادة واحدة على ثمانية أساتذة، بحيث يدرس كل أستاذ أكثر من 100 طالب».
لا تنكر رئيسة الجامعة، دينا المولى، وجود عدد لا بأس به من الطلاب العراقيين الذين يدرسون الماستر والدكتوراه في الجامعة وفي كل الاختصاصات، لا سيما في الهندسة وإدارة الأعمال والآداب والحقوق والدراسات الإسلامية والسياحة. إلا أنها تؤكد أن الكلام عن وجود الآلاف «مضخم وغير صحيح، بدليل أن هناك 350 طالباً فقط يناقشون رسائلهم وأطروحاتهم في كل عام». علماً أن ثمة من قال إن عدد الطلاب الذين يناقشون يختلف عن عدد المسجلين.
المولى قللت من أهمية التركيز على العدد، «إذ يمكن لجامعة أن تضم 100 طالب وتزور الشهادات ولا تعتمد أي رصانة، ويمكن لأخرى أن تسجل 100 ألف طالب وتتبع شروطاً صارمة وتعجيزية مثل التقييم المستمر والامتحانات الحضورية وتطبق معايير الجودة والتصنيف العالمي واعتماد الكليات والاختصاصات، ونحنا نلنا الاعتماد من وزارة التعليم الفرنسية لمدة 5 سنوات».
القرار العراقي، بحسب المولى، ليست له علاقة بأي تزوير ولا يقول إن الجامعة تبيع الشهادات كما انتشر في الإعلام، مشيرة إلى أن أعضاء اللجان الأكاديمية حريصون على رصد «الاستلال» والتحقق منه، ولدى التأكد من ذلك يجري توقيف المناقشة. وطالبت بإجراء تحقيق شفاف في الجامعة من اللجنة العلمية العراقية نفسها التي أفضى تحقيقها إلى إصدار القرار، وقالت إنها ستطلب «اعتذاراً عن الإساءة التي سببها للجامعة ولشهاداتها ولطلابها ومتخرجيها».