كتبت صحيفة “النهار” ما يلي: لعل الأشد قتامة في الصدمة “الأممية” التي اصابت صورة لبنان وسمعته وجددت انكشافه امام العالم امس، تمثلت في استعادة بعض الطبقة السياسية فيه صورة اهل “الجدل البيزنطي” بل الجدل النكدي بمصير البلاد. كان لبنان يتعرض لانكشاف يشوهه مجددا من خلال فقدان حقوقه في التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في وقت كانت “معركة مكايدة” تدور رحاها بين عدد من النواب ورئاسة #مجلس النواب حول احقية الجلسات النيابية المفتوحة والزاميتها لانتخاب رئيس الجمهورية ! واستعاد كثيرون واقع التقهقر المخيف للدور الديبلوماسي الرائد للبنان عبر قاماته التاريخية مثل شارل مالك وغسان تويني وفؤاد بطرس وذكروا بصرخة غسان تويني يوم كان مندوب لبنان الدائم لدى #الأمم المتحدة “دعوا شعبي يعيش”، علما ان ثمة حاجة متعاظمة اليوم الى صرخة مماثلة في الداخل توقف مسار الانهيار المتسارع.
ولم يقف الامر عند كباش المكايدة هذا، بل ان انزلاق لبنان الى متاهة جديدة من متاهات الانهيار المالي والمعيشي مضى قدما امس. وغداة كسر “دولار الأسود” (في السوق السوداء) سقف الخمسين الف ليرة لامست أسعار البنزين امس حدود سقف مخيف اخر ناهز المليون ليرة للصفيحة الواحدة بما ينذر بانفلات بالغ الخطورة في الواقع الاجتماعي مع انفجار السقوف القياسية بلا ضوابط وفرامل تقي الغالبية الساحقة من اللبنانيين اخطارا وجودية بكل المقاييس.
وفيما “اهل بيزنطيا” اللبنانية يتبادلون معارك الكيد التي انكشفت عن تحول الاستحقاق الرئاسي الى ساحة تصفيات سياسية، بدل العودة الى التزام الدستور ونصوصه ومعاييره، برزت معالم الانكشاف الدولي الجديد لانهيار لبنان من خلال ما أعلنه امس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في بيان من أن “فنزويلا ولبنان وجنوب السودان متأخرة عن سداد مستحقات لميزانية تشغيل الأمم المتحدة وهي من بين 6 دول فقدت حقوقها في التصويت في الجمعية العامة المكونة من 193 عضوًا”. ووفقًا لرسالة الأمين العام، فإن الحد الأدنى من المدفوعات اللازمة لاستعادة حقوق التصويت هو 1835303 دولارًا للبنان.
هذه الصدمة لم تحرك ساكنا لدى المراجع اللاهية بترف اليوميات الباهتة والرتيبة في مقاربة الأوضاع الانهيارية التي يغرق فيها لبنان على كل الصعد. ولكن وزارة الخارجية والمغتربين علقت في بيان، “بأن سائر المراحل الخاصة لتسديد المبلغ المطلوب قد أنجزت، وبعد الاتصالات التي تم اجراؤها مع كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير المال، تبيّن أن عملية الدفع النهائية ستتم مباشرةً بما يحفظ حقوق لبنان في الأمم المتحدة”.
ولكن لا وزارة الخارجية ولا أي جهة معنية أخرى لم توضح أسباب ترك فضيحة على صعيد اممي كهذه تحصل من دون استباقها، ولماذا لم يتم تسديد المستحقات قبل نشر غسيل الدولة اللبنانية. علما أنها ليست المرة الأولى التي يفقد فيها لبنان حق التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ بدء انهياره قبل اكثر من ثلاث سنوات. ففي العام 2020 فقد لبنان حق التصويت في الجمعية العامة، واستعاده في العام ذاته بعد دفع جزء من المستحقات.
وعلى اثر فقدان لبنان حقه في التصويت كدولة في الهيئة العامة للأمم المتحدة، غرّد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عبر تويتر “فقد لبنان اليوم حقّه بالتصويت كدولة في الهيئة العامة للأمم المتحدة. ألم يحن الوقت بعد لإعادة النظر بكل طريقة عمل الدولة ومؤسساتها؟ هل علينا ان ننتظر حتى يفقد اللبنانيون حقّهم بوطن لكي نعيد النظر؟”.
كما انه على صعيد التداعيات التي تثيرها غالبا اساءات “حزب الله” الى علاقات لبنان العربية، فقد علق امس المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد على تصريحات الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله والتي دعا فيها لمراقبة الوضع المالي في مصر. وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية إن تصريحات نصرالله “عبثية وليست سوى محاولة لاستدعاء بطولات زائفة”.
وكان نصر الله قال في خطاب له: “أدعوكم لمراقبة الوضع الاقتصادي في مصر الدولة الأولى التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، فهل لبنان أهم لأميركا منها؟”
مبارزة!
وإذا كان يفترض ان يشكل التطور حافزا داخليا لاظهار تهيب حيال مسلسل الانكشافات التي تمعن في تشويه صورة الطبقة السياسية اللبنانية امام المجتمع الدولي، فان شيئا من هذا لم يحصل بل ان مبارزة مكشوفة بدأت تتصاعد على خلفية ردة فعل سلبية ابداها رئيس مجلس النواب نبيه بري بسبب الاعتصام الذي ينفذه نواب من “تكتل التغييريين” داخل المجلس منذ عصر الخميس الماضي، فلم يحدد موعدا للجلسة الـ12 لانتخاب رئيس الجمهورية ، وبدا انه لن يدعو اليها قريبا واقلّه لن تُعقد الخميس المقبل، لان اللجان المشتركة ستعقد جلستها في ذلك التاريخ، بعدما دعا بري “لجان المال والموازنة، الإدارة والعدل، الصحة العامة، والعمل، والشؤون الإجتماعية، الى جلسة مشتركة في تمام الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر يوم الخميس 26 الجاري لدرس مشروع القانون الوارد بمرسوم رقم 13760 الرامي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضمان الإجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الإجتماعية”. وبدا واضحا ان بري تعمد تحديد موعد لجلسة اللجان في “خميس الانتخابات الرئاسية ” كرد لـ”التحدي” الذي استشعره في اعتصام هولاء النواب الذين ينطوي اعتصامهم على اعتراض واضح على إدارة بري للجلسات الانتخابية لجهة مماشاته لمسار التعطيل في قطع الجلسات بعد الدورة الأولى.
وقد استمر النائبان ملحم خلف ونجاة عون صليبا في اعتصامهما امس داخل قاعة مجلس النواب للمطالبة بعقد جلسات متتالية حتى انتخاب رئيس، في وقت توافد نواب متضامنون معهم، من كتل أخرى، الى البرلمان وليلا انضم اليهم نائبا “القوات اللبنانية “جورج عقيص ورازي الحاج. وقالت النائبة صليبا “هذا ليس اعتصاماً بل حقّ دستوري بأن نبقى في القاعة لحين انتخاب رئيس للجمهورية ولا نوجّه رسالة لأحد بل نمارس حقّنا وهذه واجباتنا بالوظيفة التي سلّمنا إيّاها الشعب “عم نطلب فقط من النواب يشتغلوا شغلن” وباقون في المجلس”. من جهته، قال خلف “مطلبنا الابقاء على الجلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس للجمهورية، فنحن نشعر وكأنّ الديموقراطية تسقط في لبنان وعلينا مسؤولية اليوم بأن نحترم اللعبة الديموقراطية ”. وشدد على “أننا ملزمون بأن يكون لدينا مسؤولية وطنية حقوقية وأخلاقية تفرض علينا إنقاذ البلد”.
وتفاعلت أجواء الجلسة الأخيرة على وقع الاعتصام اذ بعد تلويحه في الجلسة بمقاطعة جلسات الانتخاب اوضح أمين سر كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن امس ان” موقفنا كلقاء ديموقراطي بالأمس بعد 11 محاولة فاشلة لإنتخاب رئيس ليس موقفاً تعطيلياً بل خطوة بالإتجاه الصحيح لخلق دينامية مختلفة وللحث على تحقيق خرق جدّي في جدار الأزمة، وسيترافق الموقف مع سلسلة خطوات ومشاورات بدأت بالامس للوصول الى إنتخاب رئيس للجمهورية”.
المحروقات والتعاميم
على وقع هذه التطورات السلبية تسارعت وتيرة الانزلاق نحو متاهات تدهور مالي ومعيشي وخدماتي . ومضى الدولار في ارتفاعه متجاوزا الخمسين الفا، وعلى وقع هذا الارتفاع، واصلت أسعار المحروقات ارتفاعها ايضا، حيث أظهر جدول تركيب أسعار المشتقات النفطية الصادر عن وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط، ارتفاعاً في سعر البنزين والمازوت فسجل سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان: 894000 ليرة وصفيحة البنزين 98 أوكتان: 917000 ليرة وصفيحة المازوت: 943000 ليرة وقارورة الغاز: 572000 ليرة .
وأصدر امس مصرف لبنان ثلاثة تعاميم، عدل بموجبها التعاميم المرتبطة بالسحوبات بالعملة الأجنبية، حيث سيتم اعتماد سعر الدولار على أساس 15 ألف ليرة بدءا من أول شهر شباط. ويلحظ التعميم سقف السحب بالدولار 400 دولار ضمن سقف سنوي يساوي 4800 دولار، محررا هذه الدولارت من اي قيود ان لناحية التحويل إلى الخارج او فتح حسابات فريش بموجبها او لناحية إستخدامها بواسطة بطاقات مصرفية داخل لبنان وخارجه، كما حرر هذه العمليات من اي عمولة او نفقات. كما رفع ما يسمى “لولار” من 12 الف ليرة إلى 15 الف ليرة ضمن سقف مبلغ 400 دولار يسدد منها 50% نقدا للمودع و50% تودع في حسابه ليستعملها ان عبر البطاقات المصرفية الداخلية أو شيكات او تحاويل محددة حصرًا لتسديد ضرائب والفواتير من كهرباء وماء وهاتف والخليوي.
إن الآراء الموجودة في هذه المقالة تعبر عن رأي الصحيفة.