“عيون السيمان” تُذكّر “حزب الله”: هنا رفعنا بيارق الحرّية
نداء الوطن
نوال نصر
في زحمة “الأزمات” و”الإنهيارات” المتلاحقة التي تشدّ البلاد نزولاً نزولاً نحو القعر، برز في اليومين الماضيين اسم “عيون السيمان” موضوع الساعة “محلياً” من خلال الظهورات “الحزبلاوية” بالثياب السود المعتادة كلما حلا لمرتديها القول: “نحن هنا” والتلويح “بالويل والثبور وعظائم الأمور”. الإنتشار “الأصفر” بالأسود موضوع قديم- جديد لم يبدأ اليوم ولن ينتهي اليوم. فلبنان، كل لبنان، من جرده الى سواحله، واقع في الفلك الإيراني من خلال “حزب الله”. فماذا بعد؟
فارس سعيد، كان البارحة ظهراً، كما كل أحد، يمشي في الجرد. وكما في كلِ مرة رأى منهم، من عناصرهم “الصفر”، في حنايا المشاعات الواسعة الشاسعة، لكنه استمرّ يمشي ويمشي في حنايا الطبيعة اللبنانية المميزة. فهو أكثر المدركين أن ما دار الحديث عنه في اليومين الماضيين ليس إلا إعترافاً من القائلين “أن الوضع ليس أبداً بخير” و”أننا بالفعل بتنا تحت سيطرة حزب الله”. فهل في ذلك إشهار للضعف؟ طبعاً لا “هذا الأمر دعوة الى مواجهة ما أصبح واقعاً بفعل ترك الأمور على غاربِها”.
فلندخل أكثر في التفاصيل. “حزب الله” شاء نهار السبت تدشين بئر مياه إرتوازية حضره رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين (وهو لغير العارف إبن عمة والدة السيد حسن نصرالله). هو اعتاد تدشين الآبار الإرتوازية. لكن، ما حصل البارحة أن حضوره تزامن مع انتشار مسلح لـ”حزب الله” ونصب حاجز ووضع كاميرات مراقبة ومناورة صامتة أجراها الحزب على مدى ثلاثة أيام في بقعة تطل على جرد عيون السيمان الذي يتبع عقارياً الى كفردبيان. وتلا ذلك إحتدام الوضع بين القوتين الشيعية والمسيحية التي طالما دافعت عن ذاك الجرد بالدم والإستبسال. فهل حصل ذلك خلال اليومين الماضيين بالصدفة؟ هذا هو السؤال
فائض القوة على مين؟
مسيحيو الجرد يشعرون بالمهانة. فالجرد صحيح لكل اللبنانيين لكن للمدنيين فلماذا يجرؤ بعض من يُمسكون بالسلاح على التباهي في عقر الدار؟ خصوصاً أن ذلك حدث بعد أقل من شهر على تنظيم عناصر مسلحة حواجز عسكرية على طرقات عامة تفتش سيارات المارة تحت عين الدولة. فهل تُرك ناس الجرد العالي الى حالهم؟
الوضع ليس أبدا بخير. كل اللبنانيين يدركون ذلك، لكن الأمر بات يتحول الى بروباغندا عسكرية تبرز فوقية من ادعوا “فائض القوة” على “ولاد البلد”. وهذا سيلد وضعاً أمنياً أخطر بكثير مما نعيشه. شوقي الدكاش، نائب كسروان، أطل فور انتشار الخبر ليقول: “سوريا وإيران لا ولن تمرّا من عيون السيمان”. مرّت 24 ساعة على كلامه. فماذا بعد؟ هل انتهى الأمر عند هذا الحدّ؟ هل العراضات العسكرية انتهت هنا؟ ومن يضمن منع سيطرة “حزب الله” على الجرد وانتشار عناصره الدائم في تفاصيل الجغرافيا؟ يجيب دكاش بدعوة “نطلب من الجيش اللبناني إجراء التحقيق ومنع مثل تلك العراضات في مناطق مسالمة، كما ادعو إخواننا الشيعة خصوصاً في كسروان الذين عشنا وإياهم على الحلو والمرّ، طوال العمر، بكرامة، الى رفض مثل هذا النوع من فرض “الفوقية العسكرية” من أجل إكمال العمر سوا. فالكلّ سيزول ويبقى عيش اللبنانيين معاً”.
كلامٌ سليم. لكن، ماذا عن الخطر الذي يشعر به كثيرون من اللبنانيين من تكرار المظاهر العسكرية اللاشرعية على مشارف مناطقهم الآمنة؟ المقلق في ما يحصل أنه يجري تحت عين الدولة. فثمة حاجزان عسكريان في المكان، in و out من الجرد، عند الدخول وعند الخروج منه، الأول بعد مزار وردة والثاني بعد العبور في الجرد المقفر في آول بلدة الحدث (حدث بعلبك) التي تطل على بلدات النبي رشادة وطاريا والتليلة وجزين. يعني، يفترض أن تكون الأرض ممسوكة عسكرياً. لكن، العناصر المسلحة و”العراضة العسكرية” جرت في تلك المساحة.
الدكتور فارس سعيد، إبن قرطبا، الشاهد على تكرار “الفوقية الحزبلّاويّة” في لاسا، يبدأ كلامه بما يريده إتفاق “فلنتفق أولاً على أن لا أحد يخيف أحداً” ويتابع ” إن وجود عناصر من حزب الله في جرود جبل لبنان قائم من زمان ومعروف، وكل من يعرف الجرد يدرك تماما ذلك. هؤلاء موجودون وينتشرون على سفوح الجبال والجرود، وبالتالي إثارة الموضوع وكأنه استجدّ ليس صحيحا”.
يبدو أن ما استجدّ هو أن هناك من قرّر إخافة الآخر “عالمكشوف” والآخر قرّر أن يقول له: لا، لن تستطيع ذلك.
“إذا، هؤلاء، عناصر حزب الله، ينتشرون، بحسب سعيد، على الجرود من زمان ويتخذون نقاطاً عسكرية. والجيش اللبناني يقوم بدوره بمناوراته العسكرية بالسلاح الحيّ وكامل العتاد في جرد العاقورة وجرد عيون السيمان على مرأى من تلك العناصر. السفارة الأميركية التي تحضر هي أيضا من خلال سفيرتها تلك المناورات تعرف ذلك. وأكيد يعرف جميع أهالي الضيَع والجرود والمخاتير ورؤساء البلديات من كفرذبيان الى العاقورة أيضا ذلك. والعلاج لا ولن يكون برفع الصوت فقط بل ببسط سلطات الدولة. عناصر حزب الله موجودون من جرد بشري الى جزين في شكل إنحداري، أي من إرتفاع 3093 متراً في القرنة السوداء نزولاً الى جرد تنورين الى العاقورة الى ضهر البيدر فجزين، كل السلسلة ممسوكة”.
ما دام حزب الله يُمسك “عسكرياً” بكل السلسلة وبلبنان أيضا فماذا استجدّ اليوم ليصدر كل هذا الصراخ والبيانات الإعتراضية؟
شباب الجرد، من المقلب الآخر، لجهة بلدات كفردبيان وميروبا وفاريا يتحدثون ويسهبون بيقينهم “ان الإحتلال الإيراني أصبح واقعاً من خلال ذراعه في المنطقة “حزبُ الله”. ويقرأون في ما حصل، في هذا الوقت بالتحديد، على أنه مناورة على سلسلة جبال لبنان الغربية من الجهة الشرقية لغايات محددة، يفترض أن تكون الجهات الأمنية قد أدركتها. هؤلاء أجروا مناورة ليست في عمق جرد عيون السيمان لكن في أرضٍ تشبهها. وعادة يجري “العسكر” مناورات على جغرافيا تُشكل مجسماً يُشبه المنطقة التي ينوي مهاجمتها. وما فعله حزب الله، أبعد من تدشين البئر الإرتوازي، بمثابة تمرين واقعي يناور للإستيلاء على منطقة شبيهة لها. وما فعله اليوم على الضفة الشرقية قد يكرره إذا حلا له على الضفة الغربية”.
كل ما يحصل ويدور يثير الريبة. “حزب الله” يتقصد زرع الخوف في نفوس كل الآخرين “فهو مالك السلاح والعتاد والعديد”. لكنه، بحسب شباب أعالي كسروان “ما بيخوفنا” لكنه يجعل شبح الخوف يُخيّم من جديد. فماذا لو رفض أحد الشبان الوقوف على حاجز نصبه؟ ماذا لو ضرب أحد الشباب عنصر مسلح “بنقيفة” في عينه وأعماه فهل يُضمّ الى حيث يقبع شباب عين الرمانة الموقوفون؟ فلتتدخل الدولة. هذا مطلب شباب كفرذبيان وميروبا وفاريا وزحلة وكل لبنان. فهل هذا كثير؟ فليقاوم “حزب الله” على الحدود لا في قلب الجرود.
المصائب نادراً ما تأتي فرادى. ولبنان الواقع تحت نير مصائب لا تّعدّ ولا تحصى يحاول أن يظل يصرخ ويجهر بكلِ القلق الذي يجتاحه. لكن، هل هناك من يسمع؟ عيون السيمان لها في نفوس كثيرين من الشباب المسيحي معنى كبير وفي قلوبهم، وظهور عناصر مسلحة تستقوي بسلاح وفائض قوة أعاد إليها كثيراً من المشاهد البشعة عبر تاريخ لبنان الحديث. هؤلاء عادوا الى الوراء، الى العام 1976، يوم حاول المسلّحون الفلسطينيون ومن معهم الزحف الى كسروان من جرد عيون السيمان لكن أبناء كفردبيان وفاريا وحراجل وميروبا تصدوا لهم. شباب كثيرون استعادوا ذاك النشيد الذي يعكس صمود أهل الجرد: “عالتلج مكلل لبنان رفعنا بيارق حريّة بجرود عيون السيمان عنصرنا حارب ميّة، ومهما كانوا الإعدا كتار تلال بلادي محمية”.
يحق لمن قرر الإستحواذ على “المقاومة”، وتسميتها إسلامية، أن ينصّب نفسه “أميراً” وينصب الحواجز المسلحة في قلب الدولة؟ من زمان، صدحت أصوات تنادي بضرورة “التنبّه لمن يسعون الى إحداث تغيير في حال الجرد”. “حزب الله” عمل وخطط منذ أعوام طويلة لخلق واقع ديموغرافي جديد. ذاك الحزب اعتبر من زمان جرد جبيل بمثابة خط دفاع لمثلثه الأمني: بوداي- المنيطرة- أفقا- لاسا. وعمل للسيطرة على هذا الخط ليس في الإستيلاء على جرود جبيل فحسب بل القبض أيضا على جرود بشري وأعالي كسروان وجزين. حقّق “حزب الله” ما اراد فهل “الصراخ” اليوم مجدٍ أم أننا دخلنا في أتون الصراع؟ وهل في استطاعة “الدولة” بعد طمأنة من يؤمنون بوجودها الى “أمان منشود؟”.