عسكرة العلاقات العربيّة ــ «الإسرائيليّة»
نبيه البرجي – الديار
اذا كنا ننتظر، أو اذا كان آموس هوكشتاين ينتظر اجابة نفتالي بينيت على الموقف اللبناني من ترسيم الحدود البحرية، الاجابة أتت من بني غانتس الذي، باللغة الاسبارطية اياها، أو «باللغة التوراتية اياها»، قال «اذا اقتضى الأمر، سنتوجه مرة أخرى الى بيروت وصيدا وصور»، وان استدرك «اننا لا نريد حرباً، ومستعدون للذهاب بعيداً جداً في طريق السلام والتسوية».
ربما فقد الرجل ذاكرته ـ أو وعيه ـ والا كان تخلى عن سياسات قرع الطبول. هو الذي يعلم ما حلّ بـ «القوات الاسرائيلية» عندما دخلت الى بيروت عام 1982، كما يعلم ما حصل لهذه القوات ان في بنت جبيل أو في عيتا الشعب أو في وادي الحجير عام 2006 .
لا نتصور أن أحداً من اللبنانيين يريد الحرب، وأهوال الحرب، حتى وان وصفنا شاول موفاز بفظاظة بـ «عشاق القبور». وضعنا الداخلي، وعلى المستويات كافة، أكثر من أن يكون كارثياً. الطبقة السياسية، وبالرغم من كل الويلات التي تحدق بنا من كل حدب وصوب، لا تزال ضالعة في ثقاقة المافيا (أو ثقافة المغارة). الأشد هولاً، أنها لا تزال ضالعة في… ثقافة التفاهة!
لو كان بامكان «اســـرائيل» أن تصل الى بيروت، أو الى أي قرية متاخمة للخــط الأزرق، لم تكن لتــتوانى للحظة، ولطــالما أخذت بذريعة «العملية الوقائية». لماذا اذاً، لا تشن مثل هذه العملية التي ترقى الى درجة «الضرورة الوجودية»، اذا أخذنا بالاعتبار ما تعنيه للجنرالات و»للحاخامات» الترسانة الصاروخية لحزب الله .
انه العقل «الاسرائيلي» الذي حمل المؤرخ شلومو صاند على التساؤل «لماذا يصر هؤلاء الساسة على أن نبقى داخل الهولوكوست»؟ داعياً للخروج من الحالة «لكي نتنشق الهواء الذي يتنشقه الآخرون» .
«الاسرائيليون» الذين يتابعون يومياتنا بالأشعة ما تحت الحمراء، يعلمون أن لا رؤية استراتيجية لدى المنظومة الحاكمة في لبنان، وأن السياسة هنا تدار بالطربوش والخيزرانة على طريقة أبو عبد البيروتي. واثقون من أن الدولة عندنا… دولة افتراضية.
هذا لا يمنع من الاعتراف بأن مفتاح الغاز والنفط، على امتداد المنطقة العربية، في ايدي الأميركيين. التطورات الدولية الأخيرة أظهرت أن القيادة الأميركية الوسطى باقية على أرضنا، وفي مياهنا، الى آخر برميل نفط، وربما الى آخر ناقة، بعدما ظن جو بايدن أن الشرق الأوسط يستنزف دون طائل الامكانات الاستراتيجية، وحتى الامكانات الديبلوماسية لبلاده، ربما آخذاً بنظرية هنري كيسنجر بأن الصراع في المنطقة هو الصراع بين نصف الله والنصف الآخر…
حتى استجلاب الغاز من مصر الى الأردن لاستجرار الكهرباء منه عبر سوريا الى لبنان، لا يحتاج فقط الى الضوء الأخضر الأميركي، وانما ايضاً الى المال الأميركي، وقد تحولنا الى رهائن، وبكل مواصفات الضحية (أو بكل مواصفات الجثة)، بين شروط (وأغلال) البنك الدولي وشروط (وأغلال) صندوق النقد الدولي.
جبل من الديون لا يزال يتكدس على أكتافنا. ولنأخذ علماً بأن التنقيب عن الغاز والنفط، كخشبة للخلاص من هذا الجحيم، رهن بالسياسات الأميركية التي يبدو أنها تتجه الى تكريس واقع استراتيجي جديد، وقد تتبلور تفاصيله أثناء زيارة بايدن للمنطقة في تموز المقبل: انشاء نظام صاروخي وبحري بقيادة الولايات المتحدة، وبالشراكة مع «اسرائيل» ودول عربية مشرقية.
الغاية في منتهى الوضوح. العرب يشتكون من الأرمادا الباليستية الايرانية، والتي تزداد هولاً يوماً بعد يوم، و»الاسرائيليون» يستشعرون أن «صواريخ نصرالله تحت الوسادة»، ما يقتضي اقامة حزام من المنظومات المضادة (شبكات رادارية، أقمار صناعية، بطاريات صاروخية…) ومن ضفاف الخليج الى ضفاف المتوسط، ما وصفه الباحث الاستراتيجي جون ألترمان بـ «عسكرة العلاقات العربية ـ الاسرائيلية».
الشرق الأوسط لم يعد، كما وصفه آرنولد توينبي «الوديعة الالهية». الوديعة الأميركية، حتى إننا بتنا نخشى (يا أساقفة الغيب) أن يكون الطريق الى القيامة يمر عبر البيت الأبيض. هو يمر، فعلاً، من هناك…