رأي

ضرب القضاء: ميشال عون “أشطر” من إميل لحود

كتب خير الله خيرا الله في “اساس ميديا”:

بعد أيّام قليلة تمرّ الذكرى السنويّة الثانية لكارثة تفجير مرفأ بيروت، التي وقعت في الرابع من آب 2020. إنّها كارثة لا يمكن إدراجها إلّا في سياق تدمير العاصمة اللبنانيّة بكلّ ما ترمز إليه من انتماء للبلد إلى ثقافة الحياة.

ليس القضاء على بيروت سوى حلقة أساسيّة في القضاء على لبنان وتغيير هويّته بشكل نهائي بعد تحويله أرضاً طاردة لأهلها، خصوصاً للمسيحيين من هؤلاء.

هذه مهمّة تولّاها أواخر ثمانينيات القرن الماضي ميشال عون عندما أقام للمرّة الأولى في قصر بعبدا بين أيلول 1988 وتشرين الأوّل 1990. أتى “حزب الله” بالثنائي الرئاسي ميشال عون – جبران باسيل في اليوم الأخير من تشرين الأوّل 2016 من أجل استكمال هذه المهمّة.

ليس القضاء على بيروت سوى حلقة أساسيّة في القضاء على لبنان وتغيير هويّته بشكل نهائي بعد تحويله أرضاً طاردة لأهلها، خصوصاً للمسيحيين من هؤلاء

لو لم يكن الأمر كذلك، لماذا لا تفسير، إلى الآن، لقطع رئيس الجمهوريّة، مباشرة بعد الكارثة، الطريق على أيّ تحقيق دولي في ما يُعتبر أكبر تفجير غير نوويّ شهده العالم في العصر الحديث؟

عفواً، التفسير الوحيد لتصرّف رئيس الجمهوريّة أنّ المطلوب التعمية وتفادي معرفة الحقيقة وطرح الأسئلة الحقيقيّة من نوع: مَن وراء الإتيان بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت؟ ومَن وراء تخزينها في أحد العنابر طوال سنوات؟ ومَن استخدمها؟ وما وجهة استخدامها؟… في سوريا طبعاً؟

تذرّع ميشال عون وقتذاك بأنّ التحقيق الدولي سيأخذ وقتاً طويلاً، في حين المطلوب نتائج سريعة. مضت سنتان ولا نتائج!

تدلّ اللامبالاة بكارثة تفجير بيروت على مدى رضوخ الثنائي الرئاسي لـ”حزب الله” الذي عمل كلّ ما يستطيع من أجل وضع اليد على موقع رئاسة الجمهوريّة بعدما استطاع جعل الطائفة الكبرى في لبنان، وهي الطائفة السنّيّة، في حال من الشرذمة.

تفجير المرفأ: فضيحة الفضائح

الأكيد أنّ تفجير مرفأ بيروت وما تلا الكارثة يمثّلان فضيحة الفضائح المرتبطة بـ”العهد القويّ” الذي هو في الواقع “عهد حزب الله”. الأكيد أيضاً أنّ في الإمكان الحديث عن فضائح كثيرة لا تُحصى ولا تُعدّ بدءاً بتغييب الكهرباء وانهيار النظام المصرفي ومنع رئيس الجمهوريّة، منذ البداية، صدور التشكيلات القضائية بعدما بدا واضحاً أنّ المطلوب تسييس القضاء بهدف الانتهاء من أيّ ميزة من تلك التي تمتّع بها لبنان في الماضي. يعني تسييس القضاء كسلطة مستقلّة، بين ما يعنيه، أنّ لبنان صار مثل سوريا التي يحكمها العسكر والأجهزة الأمنيّة منذ العام 1963، وصار مثل العراق الواقع تحت الهيمنة الإيرانية… أو إيران نفسها حيث القضاء منذ العام 1979 في خدمة نظام لا مكان فيه لأيّ عدالة من أيّ نوع…

نجح “العهد القويّ” في ضمّ لبنان نهائياً إلى الأنظمة الشموليّة. بات حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” يرى أنّ من الطبيعي استخدام اللبنانيين عبارات فارسيّة عندما يتحدّثون العربيّة. فعل ذلك في سياق انتقاده اللبنانيين الذين يُدخلون في حديثهم عبارات فرنسيّة وإنكليزية. ليس عيباً تعلّم اللبناني للفارسيّة. على العكس من ذلك. لدى الفرس حضارة عظيمة في مرحلة ما قبل قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة” في العام 1979. يمكن للفارسيّة مساعدة اللبناني في التعرّف إلى أهمّية الحضارة الفارسية القديمة. سيبويه أوّل من وضع علوم النحو اللغوية لدى العرب، في القرن الثامن للهجرة نفسه كان فارسيّاً، حسب روايات عدّة. العيب في عدم إدراك أنّ إتقان اللغات الأجنبية مثل الإنكليزية والفرنسية مصدر غنى للبنان ولثقافة الحياة فيه بدل ثقافة الموت التي يروّج لها “حزب الله” الذي يشرف على غسل عقول آلاف الأطفال اللبنانيين… في محاولة صريحة لضرب النظام التعليمي في لبنان. ما نفع لبنان من دون نظام تعليمي متطوّر؟

فشل إميل لحّود في طمس “الجريمة”

يؤكّد تعطيل التحقيق الدولي، الذي تعبّر عنه كارثة مرفأ بيروت، عن الدَرَك الذي وصل إليه لبنان في ظلّ وجود ميشال عون – جبران باسيل في قصر بعبدا. تبيّن أنّ الثنائي الرئاسي أكثر فعّاليّة من رئيس الجمهوريّة السابق إميل لحود الذي سعى إلى منع قيام المحكمة الدوليّة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005. دعا لحّود إلى تنظيف مسرح الجريمة سريعاً كي تعود الناس إلى أشغالها واصفاً الجريمة بأنّها “رذالة”. لم يستطع ذلك. كان هناك حضن عربي ودولي للبنان على الرغم من كلّ ما فعله فلاديمير بوتين في مجلس الأمن، وقتذاك، من أجل توفير ضمانات معيّنة لـ”حزب الله” والنظام السوري في صلب نصّ القرار الصادر عن المجلس، وهو القرار الذى أُنشئت بموجبه المحكمة الدولية.

مأساة لبنان في السنة 2022 في ذلك التخلّي العربي والدولي عنه. ليس في المنطقة والعالم مَن يريد معرفة شيء عن تفجير مرفأ بيروت. لم تعُد بيروت تهمّ أحداً. كلّ ما في الأمر أنّ ما عجز عنه إميل لحود في 2005 نجح فيه الثنائي الرئاسي في العام 2020 عندما وقف سدّاً منيعاً في وجه كشف مَن وراء تفجير مرفأ بيروت وتدمير قسم من العاصمة. ليس سرّاً الطرف الذي سهّل مهمّة الثنائي الرئاسي، الذي يسيّره الحقد على أيّ نجاح أكثر من أيّ شيء آخر، والذي أخذ على عاتقه القضاء على أيّ محاولة لإعادة الحياة إلى مؤسّسات الدولة اللبنانيّة بدءاً بتعطيل القضاء.

“العدل أساس الملك”. يغيب هذا الشعار عن بلد صارت العدالة الوحيدة فيه عدالة في خدمة لفلفة كارثة في حجم تفجير مرفأ بيروت… تفادياً لمعرفة الحقيقة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى