شؤون لبنانية

زيارة قائد الجيش إلى قطر ل “تحمية” الملفّ الرئاسي

في ذروة توجيه عواصم دول العالم أنظارها نحو دولة قطر التي تستضيف أهمّ حدث عالمي وانهماك الدوحة بتفاصيل “المونديال” لإبقاء التنظيم “نظيفاً” من أيّ شوائب، تُعلَن زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لقطر من أجل “شكر” الدولة الخليجية على “المبادرات المتكرّرة لمساعدة الجيش والبحث في استمرار الدعم القطري في الظروف الراهنة”، وفق بيان قيادة الجيش. وجرت الإشارة في البيان إلى الإشادة القطرية بـ”أداء الجيش في حفظ الاستقرار وصون سلمه الأهلي على الرغم من التحدّيات التي فرضتها الأزمة الحالية”.

في التوقيت والشكل والمضمون غُلّفت الزيارة سريعاً بطابع سياسي أدرَجها في خانة “تحمية” الملفّ الرئاسي بعد تسع جلسات فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية وعقم الحوارات المسيحية والنيابية والكنسية، ووسط أزمة حكومية حادّة يهدّد العونيون بأنّها لن تمرّ على خير إذا لم يتمّ التراجع عن المراسيم الصادرة عن “جلسة الطوارئ”، والأهمّ في ظلّ شبه لامبالاة دولية بالملفّ اللبناني تخرقها بعض المبادرات الفرنسية وتنسيق بين باريس والدوحة لم يرقَ حتى الآن إلى مشروع تسوية تنضمّ إليه واشنطن والرياض وتكون له انعكاساته المباشرة على الداخل اللبناني.

وفق العارفين، انتخاب جوزف عون لن يتمّ إلا وفق تسوية سيكون ضلعها الأساس حزب الله، وإلّا فلن يقبل الأخير بحلّ صداميّ، وأمّا المشكلة مع جبران باسيل فموضوع آخر
أقصى ترجمات الاندفاعة الفرنسية-القطرية ما حُكِي، على الرغم من نفي أوساط ميقاتي، عن ترتيب لقاء بين ميقاتي ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان طال انتظاره كثيراً، فما كان من رئيس الحكومة عشيّة عيد الأضحى في تموز الماضي إلا العزوف عن التوجّه إلى المملكة لأداء مناسك الحج، والسفر بدلاً من ذلك إلى اليونان مع عائلته في إجازة خاصة بعدما فشل في عقد لقاء مع وليّ العهد.

من جهته، كرّر نائب الحزب حسين الحاج حسن أمس المواصفات نفسها مع إعادة التأكيد على “عدم طعن رئيس الجمهورية المقبل بالمقاومة من خلال السياسات التي سيعتمدها، وأن يكون قادراً على الوقوف في وجه الضغوطات الأميركية والأوروبية والسعودية”.
يبدو الأمر أشبه باستدراج عروض لا يزال ينتهجه حزب الله حيال لائحة المرشّحين التي لا يستثني منها قائد الجيش وتنطبق بشكل أساسي على سليمان فرنجية ومرشّحين من خارج “نادي الاستفزاز”، وهم كثر وإن كان اسم جوزف عون يُشكّل “حالة حصرية” في استفزاز النائب جبران باسيل الذي يتعاطى مع رئيس تيار المردة وقائد الجيش كـ”خيارين” مستحيلين في المرحلة الراهنة مع اختلاف حيثيّات الرفض الباسيليّ لكلٍّ منهما. أمّا احتمال انتخاب أحد أعضاء تكتّله فوصفه باسيل بـ”التسلاية”.

هو واقع يعكس أحد أهمّ مسبّبات التوتّر حالياً بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ويتجاوز حتى أزمة توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال المراسيم وكالةً عن رئيس الجمهورية، خصوصاً أنّ حارة حريك تساوي في العلن بين ترشيحَيْ فرنجية وعون بسبب إبقائها ورقة مرشّحها في جيبها، وعدم رفع فيتو حزبي بوجه قائد الجيش، وتقصُّد الإفصاح عن اللقاء الذي جمع قائد الجيش ومسؤول الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا على الرغم من لقاءات سابقة تبقى دائماً بعيدة من الإعلام، وتيقُّن باسيل بأنّ الحزب لن يقف عائقاً أمام وصول جوزف عون إلى بعبدا في حال قضت التسوية الخارجية ذلك، واستطراداً تنامي الشكوك لدى باسيل في أنّ الحزب قد يفاوض على بقاء نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة بعدما كان باسيل سَمِع كلاماً صريحاً من قيادات الحزب بأن “لا عودة لميقاتي إلى السراي بأيّ تسوية مقبلة ولا قبول بتكرار تجربة ميشال سليمان الرئاسية…”.

تجزم مصادر مطّلعة ل”اساس” ميديا أنّ الغطاء الحزبي والأمني الذي وفّره حزب الله لاتفاق ترسيم الحدود البحرية يتجاوز بأهمّيته وأبعاده الاستراتيجية بكثير احتمال تغطيته لانتخاب قائد الجيش رئيساً أو أيّ مرشّح آخر يرتاح له الأميركيون والخليجيون
وفق تأكيد متابعين، ثمّة خطّ أحمر يقف عنده حزب الله. فالحزب الذي أنتج 7 أيار وفرض فراغاً لمدّة سنتين ونصف لإيصال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وخاض حروباً في الإقليم لم يسأل أحداً رأيه فيها و”أهدى” باسيل مقاعد نيابية في البقاع وبيروت وعكار والشوف وعاليه لنفخ حجم كتلته، لا يريد أن يَحشر نفسه في زاوية المُتّهمين بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية (ترجم ذلك برفض تبنّي ترشيح فرنجية بشكل علني) وعرقلة عمل الحكومة، حتّى وصل به الأمر حدّ تغطية جلسة وزارية وُقّعت مراسيمها في ظلّ حكومة تصريف أعمال وشغور رئاسي في بعبدا.

تجزم مصادر مطّلعة أنّ الغطاء الحزبي والأمني الذي وفّره حزب الله لاتفاق ترسيم الحدود البحرية يتجاوز بأهمّيته وأبعاده الاستراتيجية بكثير احتمال تغطيته لانتخاب قائد الجيش رئيساً أو أيّ مرشّح آخر يرتاح له الأميركيون والخليجيون.
من هنا تبقى كلّ الاحتمالات واردة لدى حزب الله وإن كان يُسلّم بأنّ سيره بخيار قائد الجيش سيوسّع بيكار الخلاف مع حليفه المسيحي جبران باسيل الذي سبق أن اتّهم بشكل مباشر قائد الجيش، من دون أن يسمّيه، بمحاولة الانقلاب على العهد، وترك الحدود البرّية سائبة، والتقاعس عن منع التهريب، والتقصير في تفادي كوارث ومنها حادثة التليل في عكار وغرق زوارق المهاجرين.

بعكس ما يفترض كثيرون تتّسم علاقة قائد الجيش وحزب الله بعاملَيْ الاستقرار والتنسيق. يختلف الأمر كثيراً بين أن يُلبّي قائد الجيش مَطلب “الحاج وفيق” لنقل ضابط أو تزكية اسم في التشكيلات العسكرية، وهو ما يقول كثيرون إنّه لم يعد يحصل بالوتيرة التي كانت تحصل سابقاً، وبين تنسيق تفرضه الأرض، وخصوصاً في الجنوب والضاحية.
آخر النماذج دهم قوّة من مخابرات الجيش منطقة حيّ السلم أمس وتوقيف عدد من المطلوبين الصادرة بحقّهم مذكّرات توقيف. هو مثال عن تنسيق يوميّ بين الجيش والحزب يشمل كلّ “مشاكل الأرض”، ومن بينها عمليّات الخطف ومسائل أمنيّة عدّة، إضافة إلى وسطاء يتنقّلون بين اليرزة والضاحية للاستطلاع أو لنقل رسائل.

وفق العارفين، انتخاب جوزف عون لن يتمّ إلا وفق تسوية سيكون ضلعها الأساس حزب الله، وإلّا فلن يقبل الأخير بحلّ صداميّ، وأمّا المشكلة مع جبران باسيل فموضوع آخر.
من المفيد التذكير هنا بأنّ من يطرح جوزف عون مشروع تسوية رئاسية يتجاهل واقع أنّ اللبنانيين يسلّمون بأنّ قائد الجيش “بيشتغل عسكر فقط ومش سياسة وينأى بنفسه عن تجاذبات الطبقة الحاكمة”. هذا في الحدّ الأدنى ما يعترف به “القائد” شخصيّاً منذ تعيينه قبل خمس سنوات.

لذلك نحن أمام مرشّح من دون برنامج عمل أو على الأقلّ رؤية ما دام “القائد” يرتدي البزّة المرقّطة، ومن هذا المنطلق يفترض أن لا تكون لديه أجوبة على الكثير من الأسئلة: مع سياسات حاكم مصرف لبنان والمصارف أو ضدّها؟ مع أخذ المودعين حقّهم حتى آخر دولار أو مع الاستسلام لواقع تطيير الودائع؟ مع توقيع رئيس حكومة مستقيلة بالنيابة عن رئيس الجمهورية أو ضدّه؟ هل هو مستعدّ لفضح من يتّهمهم وهو لا يزال في مكتبه باليرزة بالتدخّل بشؤون المؤسسة العسكرية والتحريض على قائدها؟ وهل هو من الفريق الداعم لعودة العلاقات مع سوريا؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى