بكين تستعد لتقديم عرض لتجنب حرب تجارية شاملة مع ترمب

تستعد بكين لتقديم عرض افتتاحي في محاولة لتفادي زيادات أكبر في التعريفات الجمركية والقيود التكنولوجية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مما يعكس رغبتها في استئناف محادثات تجارية جديدة.
ومع ذلك، فإن ما تستعد الصين لتقديمه، وفقاً لأشخاص مطلعين في العاصمتين على تفكير بكين، يركز بشكل رئيسي على العودة إلى اتفاق تجاري سابق لم يُنفذ، وهو ما من المحتمل أن يعمق الجدل في واشنطن حول كيفية التفاوض مع الصين، وفقاً لما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض قد فرض على الصين تعريفات جمركية بنسبة 10 في المائة بدءاً من يوم الثلاثاء بسبب فشلها في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل، فإنه لا يبدو أن أياً من الجانبين مستعد للانزلاق إلى حرب تجارية شاملة. فالصين، التي تواجه تحديات اقتصادية جسيمة، أبدت اهتمامها بالتفاوض مع ترمب، الذي أشار بدوره إلى استعداده للحوار من خلال تأجيل معظم التعريفات الجمركية التي وعد بها ضد الصين.
وبحسب مصادر مطلعة، عدّت بكين أن التعريفات الجمركية بنسبة 10 في المائة هي مجرد وسيلة ضغط من ترمب، لكنها أوضحت أن تحركه الأول لم يكن من النوع «الأقصى للضغط» الذي قد تجده القيادة الصينية غير محتمل. ففي وقت سابق، هدّد ترمب بفرض تعريفات تصل إلى 60 في المائة.
وقد أدى قرار ترمب بفرض تعريفات جمركية على الواردات من كندا والمكسيك والصين إلى إثارة توترات تجارية. وفي استجابة أولية، قالت وزارة التجارة الصينية إنها ستطعن في التعريفات الجمركية أمام منظمة التجارة العالمية، التي تعطلت آليتها لحل النزاعات التجارية منذ ولاية ترمب الأولى. كما دعت الوزارة إلى «الحوار الصريح» بين الجانبين، وطالبت السفارة الصينية في واشنطن الولايات المتحدة بـ«تصحيح أخطائها».
وفي إطار استعداداتها للمفاوضات، يركز الاقتراح الأولي للصين على استعادة اتفاقية تجارية كانت قد وقعتها بكين مع إدارة ترمب الأولى في أوائل عام 2020، لكنها فشلت في تنفيذها. وتقتضي الصفقة، المعروفة بالمرحلة الأولى، من الصين زيادة مشترياتها من السلع والخدمات الأميركية بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين. وعلى الرغم من أن ترمب وصف هذه الصفقة بأنها «أعظم صفقة» تم التوصل إليها، فقد وصفها كثير من خبراء التجارة والمديرين التنفيذيين بأنها غير واقعية منذ البداية.
وأفادت المصادر بأن الصين، بعد فشلها في الوفاء بتعهداتها بموجب الصفقة بزيادة المشتريات الأميركية، تستعد الآن للتفاوض مع إدارة ترمب حول المجالات التي يمكنها شراء مزيد من المنتجات الأميركية فيها. وتشمل الأجزاء الأخرى من خطة الصين عرضاً لزيادة الاستثمارات في الولايات المتحدة، وخاصة في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية. كما تتعهد الصين مجدداً بعدم خفض قيمة اليوان للحصول على ميزة تنافسية، وتلتزم بخفض صادرات سلائف الفنتانيل.
وفي محاولة لخلق جو إيجابي، تخطط بكين أيضاً للتعامل مع قضية «تيك توك» على أنها «مسألة تجارية» بحتة، رداً على تصريحات ترمب التي اقترح فيها تقسيم السيطرة على التطبيق بين المصالح الأميركية والصينية بنسبة 50 – 50 في المائة، وأوضحت المصادر أن الحكومة الصينية تنوي البقاء بعيداً عن هذه المسألة والسماح للمستثمرين في الشركة الأم لـ«تيك توك»، أي «بايت دانس»، بالتفاوض على صفقة مع مقدمي العروض الأميركيين المهتمين.
ومع ذلك، يبقى غير واضح ما إذا كانت بكين مستعدة للتخلي عن السيطرة على خوارزمية «تيك توك»، وهي الصيغة السرية التي يستخدمها التطبيق لتوجيه المحتوى للمستخدمين، والتي أضافتها الصين إلى قائمة الرقابة على الصادرات. وإذا كانت هذه الخوارزمية جزءاً من أي صفقة محتملة، فإن ذلك سيشكل نقطة محورية في المفاوضات.
ويعكس العرض الافتتاحي للصين اهتمام الرئيس شي جينبينغ في تحسين العلاقة مع ترمب، وتعزيز فرص إتمام صفقات تجارية، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الزائدة التي تواجهها الصين. وفي الوقت نفسه، يعزز الزعيم الصيني من هيمنة الدولة المركزية لتحضير الصين لمنافسة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، خاصة في المجالات التي تتعلق بالتكنولوجيا. كما تعمل بكين على تطوير أدوات انتقامية لتعزيز نفوذها في المفاوضات.
وفي هذا السياق، قال آرثر كرويبر، الشريك المؤسس ورئيس الأبحاث في شركة «جافيكال دراغونوميكس»، وهي شركة استشارية اقتصادية تركز على الصين: «سيكون الصينيون سعداء للغاية بالدخول في مفاوضات الصفقة. الهدف الأساسي بالنسبة لهم هو صد الهجوم الأميركي، بدلاً من تحقيق مكاسب ملموسة».
ومنذ توليه منصبه، أظهر الرئيس ترمب استعداده لاستخدام التعريفات الجمركية أداة ضغط على الصين في مختلف القضايا الاقتصادية والجيوسياسية. ومن ضمن أجزاء خطة الصين، تعرض بكين زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة، بما في ذلك في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية.
وقد أشار ترمب إلى الفائض التجاري الضخم للصين مع الولايات المتحدة، الذي غالباً ما يتجاوز مئات المليارات من الدولارات سنوياً، وأعرب عن رغبته في أن تشتري الصين مزيداً من السلع الأميركية لتقليص هذه الفجوة. كما عبّر ترمب عن رغبته في تقديم دعم للرئيس شي في مسألة إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، مشيراً إلى أنه مستعد لاستخدام التعريفات الجمركية بوصفها ورقة مساومة.
وتأتي هذه الجهود في وقت حساس، حيث يخطط الرئيس ترمب لعقد قمة مع شي في المستقبل القريب وسط ضغط داخلي وخارجي. وقد وجه ترمب الوكالات الفيدرالية لمراجعة العلاقات الاقتصادية الثنائية مع الصين، ومنحها حتى أوائل أبريل (نيسان) لتقديم توصيات بشأن المسار الذي ينبغي اتخاذه تجاه الصين.
ونظراً لوجود كثير من منتقدي الصين داخل فريق ترمب، فضلاً عن الدعم الحزبي المستمر للنهج الصارم تجاه الصين في واشنطن، فإن هذه التوصيات قد تؤدي إلى حزمة شاملة تهدف إلى تقليص الاعتماد الاقتصادي على الصين. ويشمل ذلك زيادة التعريفات الجمركية ليس فقط على السلع الصينية، ولكن أيضاً على المنتجات التي تحتوي على مكونات صينية، إضافة إلى توسيع القيود على بيع التكنولوجيا الأميركية للصين.
وأشار نائب الرئيس هان تشنغ، المبعوث الخاص للرئيس شي إلى حفل تنصيب ترمب في 20 يناير (كانون الثاني)، إلى استعداد بكين لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك «تيك توك»، والفنتانيل، والتجارة، بحسب مصادر مطلعة.
وقال يون صن، مدير برنامج الصين في مركز «ستيمسون» البحثي في واشنطن: «بكين حريصة على معرفة الثمن الذي يطلبه فريق ترمب لاستكشاف مجالات التفاوض، خاصة فيما يتعلق بالتعريفات والتكنولوجيا».
وتسعى الصين إلى أن يُسمح لها بشراء السلع التي تحتاجها، مثل المنتجات التقنية الأميركية، في إطار هذه المفاوضات.
ومن المتوقع أن تكشف المحادثات التجارية التي تركز على المرحلة الأولى عن انقسامات داخل إدارة ترمب، مما يثير التساؤلات مرة أخرى حول جدوى الاتفاقات التي تعتمد على تعهدات يصعب على بكين الوفاء بها حتى بعد توقيعها.
ولتحقيق هدفها بزيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية بمقدار 200 مليار دولار من 186 مليار دولار استوردتها الصين في عام 2017، قبل بدء الحرب التجارية، كان لا بد أن ترتفع الصادرات الأميركية إلى الصين بمعدل 33 في المائة سنوياً، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف سرعة نموها السنوي منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.
وفي النهاية، وفقاً لتقديرات معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي، اشترت الصين 58 في المائة فقط من السلع الأميركية التي التزمت بشرائها، وهو ما لم يكن كافياً للوصول حتى إلى مستويات عام 2017. وأشار المحللون في المركز البحثي إلى أن الصين لم تشتري أياً من الصادرات الأميركية الإضافية التي وعدت بها.
وهذه المرة، تخطط بكين مجدداً لتقديم مزيد من المشتريات من المنتجات الزراعية والطاقة والصناعية الأميركية، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفكير الصين. ولكن، في الوقت نفسه، ستدافع الصين عن السماح لها بشراء السلع التي تحتاجها بشكل أساسي، مثل الرقائق الأميركية، وغيرها من المنتجات التقنية التي تخضع الآن لقيود التصدير.
وفي إطار إدارة ترمب الجديدة، قال وزير الخزانة سكوت بيسنت خلال جلسات تأكيد تعيينه إنه سيكون منفتحاً على المحادثات لفرض ضمانات شراء للمرحلة الأولى، مع إمكانية دفع الصين إلى «بند اللحاق بالركب» لتعويض النقص في المشتريات خلال السنوات الأربع الماضية.
ومن المتوقع أن يجادل مستشارو ترمب الآخرون، بما في ذلك فريق الأمن القومي وبيتر نافارو، كبير مستشاري ترمب للتجارة والتصنيع، بضرورة التركيز على ما هو أبعد من التجارة فقط، مع معالجة التهديدات الأمنية الأوسع نطاقاً التي تمثلها الصين.
وبدا أن هوارد لوتنيك، الذي اختاره ترمب لمنصب وزير التجارة، يدعو أيضاً إلى اتخاذ إجراءات أقوى، بما في ذلك منع التكنولوجيا الأميركية من مساعدة الصناعات الصينية.
وفي جلسة تأكيد تعيينه الأسبوع الماضي، أشار لوتنيك إلى أن شركة «ديب سيك»، وهي شركة ناشئة صينية في مجال الذكاء الاصطناعي، قد تمكنت من التهرب من بعض ضوابط التصدير الأميركية على الرقائق لتطوير روبوت دردشة ينافس الروبوتات الأميركية. وقال لأعضاء مجلس الشيوخ: «يجب أن ينتهي هذا»، متعهداً برد «قوي للغاية» إذا تم تأكيد تعيينه.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن الرئيس ترمب هو الأمل الأفضل للرئيس شي جينبينغ في التوصل إلى اتفاق لتجنب تصعيد الحرب التجارية.
وقال بوب ديفيس، الصحافي المتخصص في السياسة التجارية الأميركية تجاه الصين والمؤلف المشارك لكتاب «المواجهة بين القوى العظمى»: «لا يرى ترمب الصين بوصفها تهديداً وجودياً عسكرياً للولايات المتحدة كما يفعل كثير من مستشاريه، ومن المحتمل أن يكون أكثر انفتاحاً على التوصل إلى اتفاق». وأضاف: «لكنها ستكون معركة كبيرة داخلياً».




