رأي

النظام الدولي بين واشنطن وبكين: ميزان القوى في عهد ترامب

كتبت د. دانة العنزي, في الراي

مع عودة دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض دخل النظام الدولي طوراً جديداً من التوتر والانكشاف، ليس فقط بسبب شخصيته الجدلية ومقاربته غير التقليدية للسياسة الخارجية، بل لأن ميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين أصبح أكثر احتداماً، وأقل قابلية للتنبؤ.

نحن لا نشهد «حرباً باردة» بالمعنى الكلاسيكي، بل ما يمكن وصفه بـحرب التأثيرات المتداخلة، قوى كبرى تتصارع على النفوذ من خلال الاقتصاد، التكنولوجيا، الأمن السيبراني والسيادة الرقمية، وإعادة تشكيل مؤسسات النظام العالمي.

عودة ترامب، إلى السلطة أحيت شعار «أميركا أولاً»، لكن هذه المرة في سياق دولي أكثر تعقيداً فبدلاً من إعادة تثبيت الهيمنة الأميركية، تبدو إدارته الحالية أكثر انسحاباً من النظام الدولي التقليدي، وأقل التزاماً بالتحالفات المتعددة الأطراف والميل لإبرام صفقات ثنائية، كلها تعكس فلسفة سيادية أكثر منها قيادية.

في الملف الصيني، لم يغير ترامب نبرته منذ ولايته الأولى فالصين خصم تجاري، وشبه «عدو اقتصادي» ومع ذلك، فإن الحسم العسكري أو حتى العزل الكامل لبكين من الاقتصاد العالمي ليس وارداً، بل تعتمد الإدارة على أدوات مثل فرض الرسوم الجمركية، تقييد التكنولوجيا، وحشد الشركات الأميركية لمغادرة السوق الصينية.

الصين في عهد ترامب، التأقلم لا المواجهة.

الصين بدورها لم تدخل في مواجهة مباشرة، بل تبنّت إستراتيجية المرونة تحت الضغط. منذ مطلع 2025، تحاول بكين تحييد التصعيد الأميركي من خلال التركيز على الأسواق البديلة في الجنوب العالمي، وتكثيف التبادل التجاري وتطوير سلاسل توريد موازية بعيداً عن العقوبات الأميركية.

والمفارقة أن تصعيد واشنطن يمنح الصين فرصة لترسيخ خطابها حول «ازدواجية المعايير الغربية» و»تفكك النظام الليبرالي»، خصوصاً في أفريقيا وآسيا، حيث تصعد بكين كمصدر تنمية لا يشترط تغيير الأنظمة أو التبعية السياسية.

الاقتصاد العالمي: من يحكم قواعد اللعبة؟

أحد أخطر ملفات الصراع بين واشنطن وبكين اليوم هو التحكم في بنية الاقتصاد العالمي، لا مجرد التجارة. فترامب يُعلي من السيادة الاقتصادية، بينما الصين تردّ بتعزيز استقلالها التكنولوجي وتوسيع نفوذها النقدي عبر اتفاقات تبادل العملات الثنائية، وتقديم تمويل في مشاريع مثل الحزام والطريق، ويظهر التوتر بشكل واضح بملف الذكاء الاصطناعي حيث تسعى واشنطن إلى خنق الابتكار الصيني عبر حظر التصدير، بينما تتسابق بكين لإنتاج بدائل محلية، مدفوعة بدعم حكومي هائل.

هل نحن أمام نظام دولي جديد؟

حتى اللحظة، لا يمكن القول إن واشنطن فقدت القيادة، ولا أن بكين تسلمتها. لكن المؤكد أن النظام الدولي لم يعد قابلاً للإدارة من مركز واحد. نحن أمام نظام متعدد المصالح، تتداخل فيه الخصومة مع الاعتماد المتبادل.

وإدارة ترامب، رغم صرامتها في الخطاب، تعاني من تناقض… تريد كبح الصين لكنها تنسحب من المنصات التي يمكن أن تُقيّد بكين بشكل جماعي. في المقابل، تحاول الصين ملء الفراغات بهدوء وقوة ناعمة لا واشنطن تقود وحدها، ولا بكين تحل مكانها في المرحلة الراهنة من 2025، لم تعد قيادة العالم قراراً أميركياً خالصاً ولا رغبة صينية واضحة بل باتت مسألة توازن دقيق بين تأثيرات متضادة.

دور الدول الأخرى خاصة الدول العربية في الشرق الأوسط والخليجية سيكون محورياً وليس ثانوياً بل كطرف فاعل يستغل هذا الانقسام لصالح أمنه ونموه شرط أن يدير تحالفاته بعقل بارد وبوصلة وطنية واضحة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى