اقتصاد ومال

الشامي: زيادات الرواتب ستزيد من انهيار سعر الصرف

ذكّر نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي، بـ”أنّني ردّدت مرارًا أنّه إذا استمرّت المراوغة وهدر الوقت الثّمين، فنحن ذاهبون إلى أوضاع أكثر مأسويّة وظروف لا تُحمد عقباها”، معيدًا التّأكيد أنّ “كلّ تأخير بالإصلاحات المطلوبة، سيزيد الحلول صعوبةً وإيلامًا، وهذا ما عَبَّرتُ عنه في مقالات ومقابلات تلفزيونيّة وتصاريح عِدَّة، كما في مجلس النواب؛ ولكن ربّما الصّوت الهادئ من الدّاخل لم يلقَ آذانًا صاغيةً. لذا أنا أرفع الصّوت عاليًا، لعلّ المسؤولين يُسرعون في إقرار الإصلاحات في أيّ موقعٍ تواجدوا”.

ولفت، في مقال، إلى أنّ “ها نحن قد شارفنا على الذّكرى السّنويّة الأولى لاتّفاقنا مع الصّندوق على خطّة إصلاح مالي واقتصادي متكاملة، ولكن لم ينفَّذ إلّا الجزء اليسير من الإجراءات المطلوبة لإبرام الاتّفاق النّهائي”. ورأى أنّ “الطّبقة السّياسيّة إمّا تعيش حالة إنكار، ربّما لعدم إلمام بعضها بالأمور الاقتصادية المعقّدة الّتي يواجهها لبنان، أم هي على يقين كامل وبيِّنة من خطورة الوضع؛ ولكن تشابك المصالح يمنع بعضها من المضيّ قُدمًا بالإصلاحات تحت حجج واهية”.

وبيّن الشّامي أنّ “الكثيرين يتساءلون لماذا يتدهور سعر الصرف بهذه الوتيرة السّريعة؟ وكان هذا موضوع نقاش في اللّجان المشتركة في مجلس النّواب الأسبوع الماضي”، شارحًا أنّ “سعر الصّرف هو مرآة للأوضاع الاقتصاديّة والماليّة والنّقديّة الصّعبة، وكذلك الأوضاع السّياسيّة المأزومة النّاتجة عن عدم انتظام عمل المؤسّسات الدّستوريّة، بما فيه شغور سدّة الرّئاسة، ووجود حكومة تصريف الأعمال كُلَّما التأمت لتسيير المرفأ العام ومعالجة أمور معيشية مُلِحّة تقوم الدّنيا ولا تقعد، فضلًا عمّا يحدث مع الجهة المسؤولة الأولى عن استقرار سعر الصّرف؛ إضافةً إلى الشّلل شبه التّام في القطاع العام”.

وركّز على أنّ “تمويل العجز في الموازنة العامة، الناتج عن زيادة في النفقات لا تقابلها زيادة في الإيرادات، أدّى إلى الإسراف في طبع العملة وارتفاعٍ مُطّرِد في حجم الكتلة النقدية، ما نتج عنه ضغط على سعر الصرف وارتفاع جنوني في الأسعار”، مشيرًا إلى أنّ “البنك المركزي يتدخّل بين الحين والآخر للجم الارتفاع في سعر الصرف، فيسحب من السوق كميّات من الليرة اللبنانية، مقابل خسارة إضافية في الاحتياطي الأجنبي، أي مزيد من الاستنزاف لأموال المودعين، ويعود من ثمَّ ليشتري دولارات من السوق الموازية لتفادي التناقص في الاحتياط الأجنبي؛ ويتكرّر هذا المشهد بطريقة دورية”.

وأوضح أنّ “هذه كلها حلول موقتة ومجتزأة ومُكلِفة، تأتي كردّة فعل خارج خطة متناسقة وحزمة من التدابير الإصلاحية، فيستمرّ الدوران في حلقة مفرغة”، مشدّدًا على أنّ “الزيادات المطروحة حالياً للبحث على رواتب القطاع العام وكلفتها الباهظة، ستزيد من هذه الضغوط إذا لم يتوفر لها التمويل الأجنبي اللازم، وتزيد من انهيار سعر الصرف. وسيؤدّي استمرار هذا النهج إلى تضخّم مفرط، يعيدنا بالذاكرة إلى ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وإلى ما تعانيه فنزويلا في العصر الحديث”.

كما جزم الشّامي أنّ “‏لبنان بحاجة إلى رجال دولة بعيدين عن الشعوبية، يقودون الرأي العام ولا يقادون منه، يصارحون المواطنين بالحقيقة المرّة ويتخذون المواقف الجريئة لما فيه مصلحة الجميع. البلد ينهار ويتحلّل أمام أعيننا، فيما نحن نناقش جنس الملائكة. المبنى يتصدّع ويتهاوى، والبعض ينتظر أن ينهار كلّياً ظناً منه أن بإمكانه أن يبنيه من جديد وعلى قياسه، غير آبهٍ بأن ذلك قد لا يكون ممكناً ليتّسع للجميع”. ودعا الجميع إلى أن “نتعاون وننقذ لبنان من مصير قاتم، فنؤمِّن للمواطن العيشَ الكريم، بعد أن وصل الألم والوجع الى مستويات تهدِّد بانفجار اجتماعي”.

وأفاد بأنّ “‏بعض السياسيين والمحللين يعتقدون أنه نظراً للتقدم البطيء بتنفيذ الإجراءات المسبقة، فإن صندوق النقد الدولي سينسحب من الاتفاق ومن لبنان. ولقد أكدت مراراً أن الصندوق لن ينسحب من لبنان، وهذا ما أعادت التشديد عليه بعثة الصندوق، وأن الاتفاق على صعيد الموظفين قائم بمفاصله الأساسية، ولو كانت هناك حاجة مع مرور الوقت لتحديث الأرقام والتواريخ التي وضعت بناء على افتراضات محدَّدة”.

وتابع: “إذا تلكأنا في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وإذا لم نقم نحن بما يجب علينا، فهذا يعني عملياً بأننا نحن من يريد الانسحاب من الاتفاق الذي وافق عليه الرؤساء ثلاثة وأقرَّه مجلسُ الوزراء. إن القرارَ لنا ومستقبل لبنان بأيدينا، فصندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي هما عناصر مساعدة، ولكن ليسا من يقرّر مصيرنا”.

وأكّد الشاّمي أنّ “تعثّر الإصلاح يضرّ بسمعة لبنان وبمدى استعداد الدول المانحة لتأمين التمويل اللازم، وهذا ما يزيد صعوبة الإجراءات وتكلفتها، وهذا بدوره قد يجعل الصندوق أكثر تشدداً”، كاشفًا أنّ “هذا ما لمسناه إبّان مناقشاتنا مع بعثة الصندوق، حول أمور ومقترحات جديدة لا تتناقض في جوهرها مع الأساسيات التي يرتكز عليها الاتفاق. ولكن إذا قمنا بما التزمنا به أمام المجتمع الدولي وبالسرعة المطلوبة، فعندها يمكن أن نضع المدماك الأساسي ونؤسس للمصداقية المطلوبة، ما يؤمّن بعض المرونة من قبل الصندوق ويسهِّل إعادة النظر في بعض جوانب الاتفاق؛ إذا اكتشفنا من خلال التطبيق وجود ثغرات معينة في البرنامج”.

إلى ذلك، وجد أنّ “التجييش الإعلامي ضدّ خطة التعافي الّتي وضعتها الحكومة والّتي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي في السابع من نيسان من العام الماضي، وكذلك ضدّ الخطة المفصلة والموسعة التي أرسلها رئيس مجلس الوزراء إلى مجلس النواب في التاسع من أيلول المنصرم، يزيد الأمور تعقيداً”.

وأعلن أنّ “مهمتي الأساسية في الحكومة منوطة بتحضير برنامج اقتصادي متكامل، والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لنضع لبنان على سكة التعافي. هذه المهمة أُنجزت، أما التنفيذ فهو ما زال في مكان آخر”، مشدّدًا على “أنّني قد حاولت ودافعت عن هذه الخطة، لأن الحلول المطروحة ممكنة إذا وجدت الإرادة السياسية والنية السليمة لتنفيذها. ولكن إذا لم يتدارك المسؤولون الأمر سريعاً، فإني أخشى أن يُقفل باب الإنقاذ أمامنا ونفقد الأمل”.

ولفت إلى “أنّني أرى أنّ الضّوء في نهاية هذا النّفق الطّويل يخفت شيئًا فشيئًا، ويكاد ينطفئ كليًّا. وعندها قد يكون من الضّروري الخروج من هذا النّفق. ومع وجود حكومة مستقيلة، قد يضطرّ المسؤول إلى الانكفاء إلى الظّلّ، حتّى لا يكون شاهد زور على ما يحصل والّذي يؤدّي بالنّتيجة إلى انهيار لا قعر له”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى