رأي

الازمات الداخلية تشكل التحدي الاكبر لرئيسي وتهدد رصيده الشعبي

كتب الباحث في الشؤون الايرانية صالح القزويني في رأي اليوم : “رغم الصورة التي رسمها الاعلام الغربي عن الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، قبل واثناء وبعد وصوله للسلطة، إلا أننا نلمس حرص الدول الغربية على التوصل الى اتفاق معه.

فقد صوّر الاعلام الغربي رئيسي على انه رمز التشدد والتطرف السياسي، مما أوحى لكل الذين تأثروا بهذه الصورة أن الاتفاق مع رئيسي مستحيل، وأن هذا الرجل لا يؤمن بلغة الحوار التي تستدعي المرونة والأخذ والعطاء، وبالتالي ليس أمام الغرب سوى الاصطدام معه، وأن المواجهة بين الغرب وايران قضية محسومة سوى أن الدول الغربية تسعى لمنح طهران فرصة أخرى وبالتالي فانها تريد القاء الحجة عليها.

ولكن لم تمض فترة طويلة حتى رأينا أن الغرب لا يتفاوض مع حكومة رئيسي وحسب وانما يتوعدها باتخاذ خيارات أخرى ان لم تسارع في الانضمام الى طاولة المفاوضات، بل لمسنا وجود اصرار لدى الغرب بضرورة التوصل الى اتفاق سريع معها، حتى أن وزير الخارجية الأميركي وضع نهاية الشهر الحالي أو منتصف الشهر القادم كحد أقصى للمفاوضات النووية لايران.

ومن المؤكد أن مفاوضات فيينا اذا اثمرت عن اتفاق نووي بين ايران والغرب بالتحديد، فانه سيكون بداية لاتفاقيات تجارية واقتصادية بين ايران والعديد من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، بل أن اصرارهم على ضرورة الاسراع في التوصل الى اتفاق جعلنا نشك، هل انهم مستعجلون في وضع القيود على البرنامج النووي أم أنهم مستعجلون لابرام اتفاقيات تجارية واقتصادية مع ايران؟

هذا ما يتعلق بالغرب، أما بخصوص الشرق واقصد بالتحديد روسيا والصين، فعلى الرغم من أن التوقيع على الاتفاقية الاستراتيجية بين ايران والصين مضى عليه فترة طويلة، بل أن الحديث عن هذه الاتفاقية تبلور منذ عدة سنوات إلا أن العمل بها بدأ في حكومة رئيسي، فقد أعلن وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان عن البدئ بتنفيذ الاتفاقية خلال زيارته لبكين الاسبوع الماضي، بينما كان بالامكان تفعيل الاتفاقية والعمل بها خلال فترة الحكومة الايرانية السابقة، مما يثار التساؤل، لماذا بدأت الصين وايران بتنفيذ الاتفاقية في هذه الحكومة وليس في الحكومة السابقة؟

وكذلك الحال فيما يتعلق بروسيا، فان الحديث عن ضرورة التوقيع على اتفاقية استراتيجة بين طهران وموسكو تزامن مع الاستعدادات لابرام الاتفاق الصيني-الايراني، غير أن زيارة رئيسي لموسكو جعلت ابرام الاتفاقية في متناول اليد، وسنشهد قريبا التوقيع عليها.

ومما لا شك فيه أن هناك العديد من الاسباب التي تجعل العلاقات الايرانية مع الصين وروسيا في أعلى مستوياتها منذ تولي رئيسي للسلطة والى هذا اليوم، بينما كانت هذه العلاقات روتينة للغاية في عهد الرئيس السابق حسن روحاني؛ في مقدمتها أن روحاني والتيار الذي يدعمه لم يكونا يؤمنان بضرورة رفع مستوى العلاقات لتصل الى علاقات استراتجية على الرغم من التعاون الروسي – الصيني مع ايران في الكثير من القضايا بما فيها المفاوضات النووية.

الملفت في الأمر أن الغرب لم يتخذ أية خطوات عملية لتوثيق العلاقة مع الحكومة السابقة، رغم ميل روحاني والتيار الذي يدعمه الى الغرب ورهانه على انه سيحل مشاكل ايران، ولكننا رأينها أن الغرب وضع العراقيل والذرائع أمام حكومة روحاني حتى أنه أحرجه واحرج التيار الذي يدعمه أمام قاعدتهما الجماهيرية، وكان ذلك أحد الاسباب الرئيسية في هزيمة التيار الاصلاحي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أوصلت رئيسي لسدة الحكم.

هذا في الوقت الذي نرى فيه الغرب يسعى الى خطب ود حكومة رئيسي والتوصل الى اتفاق معها، رغم أن رئيسي والتيار الذي يدعمه وضعا في أولويتهما تطوير وتمتين العلاقة مع الشرق، وهنا يتبادر الى الاذهان السؤال الذي أسلفنا طرحه، وهو، لماذا يسعى الشرق والغرب الى الاتفاق مع رئيسي؟

السبب الرئيسي هو أن الحكومات بشكل عام، تفضل الاتفاق مع الحكومات القوية والأشخاص الأقوياء، لأن الاتفاق مع الأقوياء يمنح ضمانة مضاعفة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فلا تريد الاتفاق مع حكومة أو شخص ليأتي شخص آخر أو حكومة أخرى وتنقض الاتفاق، والغرب والشرق لديه قناعة كاملة بأن هذا لن يحدث مع حكومة رئيسي، لأن الرجل يحظى بدعم قائد الثورة الاسلامية والبرلمان والسلطة القضائية، والعشرات من الأجهزة والدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، خاصة أن العديد من الدلائل تشير الى أن رئيسي وتياره سيبقيان في السلطة لدورتين رئاسيتين على أقل تقدير.

وهذا ليس ديدن القوى الكبرى وانما كافة الحكومات والدول تفضل الاتفاق مع القوي، ولهذا راينا أن السعودية التي تعد أحد اللاعبين الأساسيين في المنطقة والعالم تغيرت لهجتها وموقفها من الحكومة الايرانية بعد مجيء رئيسي للسلطة، فقالت الرياض انها تمد يدها لطهران، الأمر الذي لم يجر على لسانها طوال حكم حسن روحاني.

لاشك أن التحدي الأكبر أمام رئيسي هو القاعدة الشعبية، وليس من المستبعد أن يفقد رصيده الشعبي مع استمرار الوضع الحالي، فالتضخم والغلاء وصلا الى مراحل ودرجات لا تطيقها الشرائح التي صوتت لرئيسي في الانتخابات، فما بالك بالذين لم يصوتوا له، كما أن التيار المنافس له يقف له بالمرصاد ومن المؤكد أنه يستغل الوضع الاقتصادي المتدهور من أجل تحريك الشعب ودفعه الى الاحتجاج والاعتراض، ومن الطبيعي أن قوة رئيسي ستتضاعف مع ارتفاع رصيده الشعبي، ورضا الجماهير عنه، وهذا لن يتحقق مع الوضع الموجود والمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الايراني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى