رأي

احتجاج «المضاربجية»: الحلقة تبدأ وتنتهي بـ«المركزي»

كتبت صحيفة “الاخبار”:

ما الذي حصل أمس في سوق صرف العملات؟ القصّة ليست مألوفة، أي أن تقوم مجموعة أشخاص تعمل في مجال الصرافة بلا أيّ ترخيص، بالإضراب، أو بالامتناع عن بيع الدولار وشرائه، احتجاجاً على خسارة لحقت بها، بسبب علاقاتها مع صرّافين مرخّصين اختلفوا مع مصرف لبنان على سعر الدولار.
المسألة ليست بالتعقيد الذي تبدو عليه، بل هي متعلقة بالوحدة التي أنشأها مصرف لبنان لبيع الدولار وشرائه في السوق. فقد كان أغلب الظن أن مديرية العمليات النقدية هي التي تقوم بعمليات التدخّل في السوق، لكن تبيّن أن حاكم مصرف لبنان أنشأ وحدة جديدة متخصصة بالعملات الأجنبية فقط. هذه الوحدة بنت علاقات مع عدد من الصرافين. يقول أحد الصرافين إن الوحدة كانت تتعامل مع مجموعة محدودة من الصرافين وتطلب منهم شراء الدولار يومياً بسعر متفق عليه، على أن تشتريه منهم بسعر متفق عليه أيضاً. لكن في الفترة الأخيرة، وسّعت هذه الوحدة انتشارها في السوق لتصبح علاقتها مع الصرافين تشمل أكثر من 30 صرافاً بدلاً من ثلاثة أو أربعة. هنا ازدحمت الأمور، إذ إن كل صراف لديه مجموعة صرافين غير مرخصين هم بمثابة «شبكة» يعملون على الأرض في شراء الدولارات أو بيعها، ومجمل هذه العلاقة بين مصرف لبنان والصرافين المرخصين وغير المرخصين، هي التي تحدّد سعر الصرف. فعلى سبيل المثال، كل يوم يسجّل الصرافون المرخصون طلباتهم على مجموعات واتساب بسعر محدّد، فيقوم الصرافون غير المرخصين بشراء الدولارات لحساب المرخصين ومنهم إلى حساب وحدة العملات الأجنبية في مصرف لبنان. كل طرف يضع ربحاً وهامشاً لعملياته. هكذا يتم التحكّم بالسوق ارتفاعاً ونزولاً، لكن الصانع الأكبر هو مصرف لبنان كونه هو الذي يضخّ الليرات أو يوقف ضخّها، فيرتفع السعر أو ينخفض تبعاً لرغباته. الكل عليه أن يتماشى مع رغبات مصرف لبنان حتى يحقق ربحاً في عمليات المضاربة. وما حصل، لم يكن مفاجئاً بهذا المعنى، إذ إن الصرافين بكل قدراتهم المالية وقرارهم بإغلاق المجموعات مؤقتاً لرفع سعر الدولار، لم يتمكنوا من التأثير في السوق. أولاً لأنهم لا يملكون المعرفة الكافية، وثانياً لأن ربحيتهم مرتبطة بمصرف لبنان، وثالثاً لأن مصرف لبنان هو العارض الأكبر للعملة الأجنبية والعملة المحلية. وهذا الأمر يظهر أن ارتفاع سعر الدولار سببه الرئيسي هو سلوك مصرف لبنان معظم الوقت. مصرف لبنان هو الكازينو الذي يحدّد من يربح ومن يخسر، وهو المضاربجي الأكبر في سوق صغيرة محدودة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى