رأي

اجتماع إيران والترويكا الأوروبية… يخدم طهران أم واشنطن؟

كتبت هدى رؤوف في صحيفة إندبندنت عربية.

كان قد أعلن عن عقد اجتماع بين وزير خارجية إيران ووزراء خارجية الترويكا الأوروبية (ألمانيا، إنجلترا، فرنسا) في إسطنبول بتركيا. ربما يدور التساؤل عن سبب وأهمية هذا الاجتماع بين إيران والأوروبيين لا سيما وأن الجولات السابقة كانت بين إيران وواشنطن ولم يكن هناك أي دور أوروبي.

بالطبع بعد الضربات الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية في فوردو وأصفهان ونطنز في ظل حرب 12 يوماً بين إيران وإسرائيل كان لا بد من وجود الطرف الأوروبي كمرحلة تمهيدية لما يمكن أن يتم مستقبلاً بين إيران وواشنطن.

ويبدو أن لكل طرف أهدافه في ما يخص الاجتماع، بالنسبة لإيران فإن الهدف هو التفاوض على رفع العقوبات المفروضة عليها. فمن جهة يسعى الأوروبيون إلى معالجة قضية استئناف تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبخاصة عودة مفتشي هذه الوكالة إلى إيران، لكن بالطبع ستعمل إيران على التلويح بمسألة عدم ثقتها في الوكالة لا سيما وأنها تعتبر أن التقرير الأخير للوكالة هو المبرر الذي منح إسرائيل الضوء لمهاجمة إيران في يونيو (حزيران) الماضي، فقد أشار التقرير الذى صدر في 31 مايو (أيار) إلى أن إيران تخزن اليورانيوم عالي التخصيب وتُشارك في أنشطة غير قانونية.

النظرة الإيرانية إلى الوكالة بها الكثير من الشك، فتعتبر أن هناك نوعاً من التجسس من قبل مفتشي الوكالة على المنشآت النووية الإيرانية، وتعتبرهم أشخاصاً غير محايدين. وتعتبر طهران أن الرغبة في عودة مفتشي الوكالة إلى إيران هي خطوةٌ تسعى إلى توضيح مدى فعالية هجمات الولايات المتحدة وإسرائيل على المواقع النووية الإيرانية، وفي الوقت نفسه، توضيح المسار الحالي والمستقبلي للأنشطة النووية الإيرانية، وأن هناك نوعاً من الغموض يحيط بتداعيات ما حدث في داخل إيران وأن الغرب يتحرك في مسار غامض، لذا يحاول الغرب عبر اجتماع إسطنبول معالجة هذا الخلل بإعادة مفتشي الوكالة إلى إيران.

لكن ما الذي تنوي إيران التفاوض حوله في مقابل عودة مفتشي الوكالة؟ تتحسب إيران أنه فى خلال أشهر قليلة ستتعرض إيران لاحتمالية تفعيل آلية الزناد، والتي ستؤدى إلى تأزم الوضع الاقتصادي المأزوم أكثر وأن  تفعيل آلية الزناد من قِبل الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) ستكون له عواقبه على عملية فرض العقوبات على إيران.

وفي حال تم تفعيل آلية الزناد وأُعيد فرض العقوبات على إيران تلقائياً، فستكون العلاقات بين إيران وأوروبا في وضعٍ خاص، وصحيح أنه بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لا يُمكن للولايات المتحدة تفعيل آلية الزناد، ويمكن للترويكا إعادة فرض العقوبات كآلية زناد، ولكن بسبب وجود الولايات المتحدة في مجلس الأمن واستخدامها لحق النقض، لن تُرفع هذه العقوبات بسهولة، في الواقع، ومن ثم فإنه من المحتمل أن تتعرض إيران، من جهة، لضغوط اقتصادية أكبر. تلوح إيران الآن أنه في حال إعادة تفعيل الآلية وفرض العقوبات فإنه لن يكون للأوروبيين وواشنطن أي تأثير على إيران في مجال المفاوضات.

لذا ولتشجيع إيران على العودة للتفاوض فإن وزراء الخارجية الأوروبيين أبلغوا الإيرانيين بإمكانية تأجيل إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران، ومن ثم فإن تأجيل هذه العقوبات مشروط باستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن، وتعاون إيران الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية شرط رئيسي كذلك.

وكما سبق التحليل فإن الضربات الأميركية ساعدت إيران على الدخول في ما يسمى بالغموض النووي لإحداث إرباك للغرب والمساومة بورقة جديدة بشأن مصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، فقد قال غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني في إشارة إلى مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة: السؤال الوحيد الذي تلقيناه شفهياً وليس رسمياً من الوكالة كان حول المواد النووية وأبلغناهم أننا لا نعرف ما حدث لأن هذا الأمر قيد التقييم.

من جهتها، تسعى الوكالة إلى التوصل إلى حل دبلوماسي قائم على عمليات التحقق والمراقبة الحتمية التي تقوم بها الوكالة. كذلك هدد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي بحلول نهاية أغسطس (آب)، فسيتم تفعيل آلية الزناد وستعيد باريس فرض عقوبات أممية على إيران.

في المقابل حذر المسؤولون الإيرانيون من أنه إذا فعلت الدول الأوروبية آلية سناب باك– الزناد، فإن إيران ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي، معتبرين أنه في هذه الحالة لن يكون للوكالة الدولية للطاقة الذرية أي إشراف على البرنامج النووي الإيراني، وبالطبع هي خطوة تصعيدية خطرة في حال قامت بها إيران لأنها تعي أنها تمنح المبررات أكثر لواشنطن وإسرائيل لمهاجمتها مرات أخرى.

وفي إطار أهداف إيران والترويكا الأوروبية من اجتماع إسطنبول، من المتوقع أن يتم التفاوض حول إيجاد أساس للتمديد، والذي من المحتمل أن يكون لمرة واحدة ومحدوداً، ومتفقاً عليه من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة على أمل أن يكون هناك متسع من الوقت للتوصل إلى اتفاق بين إيران وواشنطن، وفى مقابل التمديد سيكون على إيران السماح بعودة المراقبة الدولية لبرنامجها النووي.

جدير بالملاحظة بل مثير للانتباه، في حال تم الاتفاق بين إيران والترويكا الأوروبية على التمديد وعودة المراقبين الدوليين واستئناف جولات التفاوض بين إيران وواشنطن تمهيداً للاتفاق، سنكون توصلنا إلى ما كانت اقترحته إيران منذ بدء المفاوضات بينها وبين واشنطن في أبريل (نيسان) الماضى حينما دعت دونالد ترمب إلى اتفاق موقت بموجبه يتم تمديد تفعيل آلية الزناد في مقابل تشديد المراقبة الدولية ورفع العقوبات، وهو ما كان يمكن التوصل له من دون إدخال المنطقة في عدم استقرار وفوضى في ظل حرب 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، لكن يبدو أن الدائرية وعدم الحسم ستظل أهم سمات سلوك الغرب تجاه إيران من دون حسم يؤسس لمرحلة من الاستقرار في المنطقة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى