رأي

إيران.. انتخابات رئاسية بدون مرشح يثير حماسة الناخبين

كتبت شابنام فو هاين في DW.

يتوجه الإيرانيون يوم الجمعة (28 يونيو/ حزيران 2024) إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد. ستة مرشحين يتنافسون  على خلافة الرئيس إبراهيم رئيسي  الذي لقى حتفه في حادث تحطم مروحية في الـ 19 من مايو/ أيار الماضي. وكان أمام المرشحين الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور حوالي ثلاثة أسابيع فقط لحشد الناخبين عبر المناظرات التلفزيونية والحملات الانتخابية في مختلف أنحاء البلاد.

ومن 83,5 مليون نسمة عدد سكان إيران، يحق لـ 61 مليون ناخب الاقتراع. لكن وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، حوالي نصف الناخبين (30 مليون) لن يدلوا بأصواتهم. حيث يشعر هؤلاء بالإحباط في ظل القمع السياسي والأزمة الاقتصادية وفشل محاولات الإصلاح في العقود الماضية.

يتوقع معهد “ميتا” للأبحاث الاجتماعية أن تصل نسبة المشاركة في الانتخابات إلى 51,7 بالمئة. ويتبع هذا المعهد جامعة الإمام الصادق التي تم افتتاحها بعد الثورة الإسلامية في طهران ويتم فيها تأهيل قادة ومسؤولي النظام. والمرشح المتشدد سعيد جليلي كبير المفاوضي السابق حول  البرنامج النووي الإيراني، يعد مرشح معسكر المحافظين المتشددين.

تقدم بسيط للمرشح المعتدل

في استطلاعات الرأي الأولى كان جليلي متقدما على المرشحين الآخرين، لكن الاستطلاع الأخير لمعهد “ميتا” أشار إلى تقدم المرشح المعتدل مسعود بزشكيان إذ توقع الاستطلاع أن يحصل على 24,4 بالمئة من الأصوات. وكان بزشكيان، وزيرا للصحة بين عامي 2011 و2005 في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. وقد ترشح للرئاسة عام 2021 لكن مجلس صيانة الدستور رفض طلب ترشيحه.

ويُنظر إلى سماح المجلس له بالترشح في هذه الانتخابات، على أنه تكتيك لحشد الناخبين وزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات. ويحاول بزشكيان كسب أصوات مؤيدي الإصلاحات المحبطين. ففي حملته الانتخابية مثلا انتقد سياسية الحجاب، وقال في تجمع انتخابي في طهران: “أتعهد بأنني  سأوقف هذه السلوكيات التي تحدث لبناتنا وأخواتنا في الشارع”.

ويدعو بزشكيان إلى إعادة بناء الثقة بين الشعب وحكومة معتدلة. ويرى أنصاره أنه آخر فرصة للفوز على المتشددين، ويأملون أن يكون الخوف من سياسي محافظ متشدد مثل جليلي، دافعا لحشد وتحفيز الإيرانيين الذين لا يشاركون في الانتخابات أيضا.

ويعتبر سعيد جليلي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الأوفر حظا من بين المرشحين المحافظين. أما بالنسبة للمرشحين المحافظين الثلاثة الآخرين فتشير الاستطلاعات إلى حصول كل واحد منهم على أقل من 5 بالمئة من الأصوات.

كذلك توقع آخر استطلاع لمعهد ISPA المستقل في طهران لكنه مقرب من الحكومة، حصول بزشكيان على 24,4 بالمئة بتقدم طفيف على جليلي 24 بالمئة وقاليباف 14 بالمئة من الأصوات. ولكي يفوز بزشكيان في الجولة الأولى عليه الحصول على الأغلبية المطلقة، وإذا لم يحقق أي مرشح هذه الأغلبية ستكون هناك جولة ثانية بعد أسبوع في الخامس من يوليو/ تموز المقبل.

الانتخابات الشكلية تهدف إلى إضفاء الشرعية

الرئيس في إيران  ليس صاحب المنصب الأعلى في الدولة كما هو معروف في باقي دول العالم، وإنما بمثابة رئيس وزراء. فالسلطة الفعلية تتركز في يد مرشد الثورة آية الله علي خامنئي (85 عاما) الذي يتمتع بنفوذ كبير وحاسم على مجلس صيانة الدستور.

وهذا المجلس هو الذي يحدد من يسمح له بالترشح في الانتخابات، وكنتيجة لذلك يمكن للناخبين أن يختاروا مرشحا من بين المرشحين الموالين للنظام. ومن خلال الانتخابات يحاول الحكام اكتساب الشرعية، حتى لو كانت خيارات الناخبين محدودة جدا.

لا يتوقع المراقبون أن تحدث هذه الانتخابات أي انقلاب سياسي، وفي تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية د. ب. أ، قالت الباحثة آزاده زاميريراد، الخبيرة في الشأن الإيراني بمعهد العلوم والسياسة في برلين (SWP): “لم يخض قائد الثورة (خامنئي) أي مغامرة كبيرة مع المرشحين. القيادة تعول في المقام الأول على الاستمرارية”.

“لن أذهب للانتخاب”، هكذا قال ناخب شاب (27 عاما) في حوار مع DW وأضاف: “شاركت في الاحتجاجات الأخيرة، رغم أنها كانت تهديدا للحياة. أريدهم أن يختفوا. لماذا علي أن أمنحهم الشرعية من خلال ورقة الاقتراع؟”. العديد من الشباب أعربوا عن خيبة أملهم، وقالت امرأة شابة لرويترز هي أيضا لن تشارك في الانتخابات.

والسبب في اتخاذها هذا الموقف هو العنف الوحشي الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد المحتجين الذي شاركوا في المظاهرات عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاما) في سبتمبر/ أيلول 2022. وقد عمت تلك الاحتجاجات معظم أنحاء إيران واستمرت لأشهر عديدة، وتم قمعها بعنف وحشي خلّف انقسامات عميقة في المجتمع وفاقم العزوف عن المشاركة بالانتخابات في إيران أكثر.

عدم ثقة في الوعود الانتخابية

الكثير من الناخبين فقدوا الثقة تماماً في وعود الساسة الانتخابية، ففي الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في صيف 2021 كانت نسبة المشاركة متدنية جدا، حيث بلغت 48,8 بالمئة وهي أدنى نسبة مشاركة منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وحسب استطلاعات معهد ISPA في طهران، فإن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ستكون حوالي 50 بالمئة. والمستفيد بالدرجة الأولى من نسبة المشاركة المتدنية، هم المتشددون الذين يعولون على ناخبيهم في الأوساط الدينية، هؤلاء الذين يرون المشاركة في الانتخابات واجباً. لكن هذه المرة هناك أكثر من مرشح يمكن أن يختاره المتشددون، على عكس انتخابات عام 2021 حين كان هناك مرشح متشدد واحد وهو الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وهكذا يمكن أن تتبعثر أصوات الناخبين المتشددين.

“الحديث أو الكتابة عن مقاطعة الانتخابات يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة بالنسبة للناس في إيران”، هكذا يكتب النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، ويمكن تصنيف ذلك “كدعاية ضد النظام” عقوبتها السجن لمدة عام، وأشهر مثال على ذلك ما حصل للناشطة نرجس محمدي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.

حيث دعت محمدي المعتقلة الآن، إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر مارس/ آذار من هذا العام. وبسبب هذا النداء والتواصل مع ساسة غربيين وتضامنها مع صحافية أعيد اعتقالها، تم الحكم عليها بالسجن لمدة عام بتهمة “الدعاية ضد الدولة” حسب ما أفاد به محاميها مصطفى نيلي مؤخرا في تغريدة على موقع X. لكن ذلك لم يردعها، وقالت في بيان أصدرته من سجنها إنها لن تشارك في الانتخابات الرئاسية، وسألت الدوائر الرسمية: “كيف يمكن وضع صندوق الاقتراع أمام نفس الأشخاص الذين يتم اضطهادهم وتهديدهم بالسلاح والسجن في نفس الوقت؟”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى