رأي

«إهراءات» الترسيم

كتبت خديجة حكيم في “الجمهورية”:

لا يختلف وضع خطوط الترسيم عن وضع إهراءات القمح في مرفأ بيروت، فكلاهما ضحية نظام مهترئ هش، فاقد لنهج وسياسة واضحة في حفظ حقوق المواطن وحمايتها. فكما يتابع المواطن اللبناني يوميًا سقوط اهراءات القمح، بما تحمله من رمزية معنوية وقضية حية متصلة بسلسلة من دماء شهداء ما زالت تتزايد حلقاتها وأوجاعها، يتابع المواطن نفسه سقوط حقوقه في ثروته البترولية بين خطوط «الترسيم السياسي».

فالمشكلة الحقيقية في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية هي ليست في اعتماد الخط (23) أو الخط (29) أو غيرهما، إنما في فقدان الملف لإدارة حقيقية تتبع منهجية واضحة يمكن أن تعزز صدقية المفاوض اللبناني تجاه المواطن مالك الثروة.

فعلى الرغم مما يشكّله ملف الترسيم من أولوية وأهمية في ملفات الدولة، إلّا أنّ المواطن غائب عن وجود سلطة تخاطبه وتحترم وعيه وإدراكه لهذا الملف، بما يحمله في طياته من حقوق قد تشكّل مخرجًا من انهيار حتمي للبلد. فترانا مع كل جولة تفاوضية وزيارة مكوكية للوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، نبحث عن نتائج هذه الجولات في أخبار وتصريحات الطرف الآخر «العدو» أو «الوسيط» المشكوك في نزاهته وحياده.

وأيًا كانت المعطيات والحلول التي يجري تداولها، فهناك حقائق ينبغي أن توضع في الاعتبار توضيحًا لضبابية المشهد، وهي:

-1 التفاوض: إنّ دخول لبنان في عملية التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يعني أن ليس بالضرورة أن تؤدي المفاوضات إلى نتيجة تحقّق «جلّ المنتهى» في ملف الترسيم، وهو الخط (29)، ولكن من المهم أن يراعى في عملية التفاوض تحقيق الحل المنصف الذي لا يشعر به أحد الطرفين بالغبن.

-2 إن الخط (29) هو خط تفاوضي طرحه الوفد المفاوض اللبناني كنقطة انطلاق لعملية التفاوض، في اعتباره الحدّ الأقصى الذي من الممكن للدولة اللبنانية المطالبة به وفقًا للمبادئ والإجتهادات الدولية في منازعات ترسيم الحدود البحرية.

-3 الخط (23) هو أحد الخيارات المتوافرة في الترسيم، لكنه يمثل الحدّ الأدنى الذي يمكن للدولة اللبنانية الحصول عليه، وبالتالي لا يمكن أن تثمر أي نتائج تفاوضية عن خط أقل منه.

وعليه، فأي تفاوض ينطلق من حسن نية الأطراف ويهدف إلى تحقيق تعاون في الوصول الى حل منصف للطرفين، قد يحسم في النهاية أحد هذين الخيارين أو يخرج بحل بينهما (23+) من دون أن يعتبر الركون لإحدهما خيانة لأمانة التفاوض.

غير أنّه، في ظلّ تخبّط الدولة في ملفها وعدم انتهاجها سياسة واضحة وصدقية وشفافية أمام الشعب، فإنّ أي خيار سترجحه المفاوضات غير المباشرة سيكون محل تشكيك في أسباب ترجيحه، والتي ستصبّ في جميعها بالمصالح الخاصة بعيدًا من حقوق المواطن. لذا، على الدولة اليوم قبل الغد، أن تصارح الشعب اللبناني بصورة واضحة لا لبس فيها بالخيارات المطروحة، مع مشاركة الشعب في نتائج جولات التفاوض، ما سيعزز تاليًا صدقية الطرح الذي سترجحه السلطة من دون تخوين، إضافة إلى تعزيز مشاركة الشعب ومسؤوليته في صنع نتائج هذا الخيار، بما يحقق رفاهيته وإنمائه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى