رأي

أول أسباب سقوط الدول هو: التفريط بالعدل (إبن خلدون)

كتب القاضي حاتم ماضي في “اللواء”:

عند كل منعطف او محطة هامة نكون فيها بحاجة الى رأي محايد من اجل حل مشكلة ما ينصرف تفكيرنا الى جهة عنوانها الحياد: القضاء.
للخروج من الفوضى العارمة ومن الفكرة التي تقول ان الحق يكون حيث تكون القوة، ابتكر البشر من اجل تنظيم حياتهم مؤسسة القضاء، وابتكر معها قواعد وانظمة موضوعية تطبق على جميع افراد المجتمع بدون تمييز.
ad
ولأن العدالة هي من المفاهيم الإنسانية السامية والتي يجب ان تبقى فوق الشبهات وبمنأى عن كل التجاذبات، شدد الفيلسوف مونتسكيو على مبدأ دستوري اساسي هو مبدأ فصل السلطات الذي يعني فيما يعنيه منع كل سلطة من السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية والقضائية من السيطرة على أخرى. لكن هذه الإستقلالية لا تعني انفصال السلطات وإنما تعني تعاونها ايجابيا.
في الدول التي تتبع النظام الإنجلوساكسوني (الولايات المتحدة الأميركية مثلا) يكون القضاء سلطة دستورية حقيقية نص عليها الدستور الى جانب السلطتين التشريعية والإجرائية. ولهذا السبب لا يجوز تعديل النصوص ذات الصلة بالسلطة القضائية الا عن طريق تعديل الدستور وفقا للآليات المعتمدة في الدولة المعنية.
اما في دول العالم الثالث ومنها لبنان فالإعتماد يكون بصورة اساسية على مؤسستين: الأمن والقضاء.الأمن يفرض هيبة الدولة وسلطتها بالقوة العسكرية، اما القضاء فمهمته اضفاء الشرعية على اعمال قد لا تكون بحد ذاتها شرعية.
الصورة في لبنان فيها شيء من الإزدواجية. فالمادة 20 من الدستور تنص على ان «السلطة القضائية تتولاها المحاكم… ضمن نظام ينص عليه القانون… اما شروط الضمان القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظائفهم…».
اما في المادة الأولى من قانون اصول المحاكمات المدنية فنقرأ النص التالي: «القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الأخرى ولا يحد من استقلالها اي قيد لا ينص عليه الدستور».
من جهة اخرى نلاحظ ان السلطة القضائية منظمة بقانون عادي هو قانون التنظيم القضائي رقم 83/150 الذي نص في المادة 132 منه على انه تطبق على القضاة انظمة الموظفين في كل ما لم يرد ذكره في قانون تنظيم القضاء العدلي.
هذه النصوص الثلاثة تطرح سؤالا بسيطا في ظاهره لكنه عميق في باطنه هو: هل القضاء سلطة دستورية ( pouvoir) ام هو سلطة قانونية (??(autorite

من جهتنا نرى ان القضاء هو سلطة قانونية بالمعنى المذكور اعلاه ولو ورد النص عليه في الدستور. لأن الدستور لم ينظم هذه السلطة كما فعل مع السلطتين الأخريين اذ ترك الأمر لعناية القوانين العادية اهمها قانون التنظيم القضائي وقانون الموظفين العمومين وبعض القوانين الأخرى.
لذلك رأى البعض (الدكتور ادمون رباط مثلا) في القضاء مرفقا عاما عدليا (service) مثل المرافق الإدارية الأخرى مع بعض الخصوصية التي تتعلق بطبيعة عمل القضاة.
ومن الأدلة على تبعية السلطة القضائية للسلطة الإجرائية (في المملكة العربية السعودية مثلا يتبع القضاة لوزارة الداخلية وليس لوزارة العدل) بعض الأمثلة على التبعية:

  • ان مشروع المناقلات القضائية الذي يعده مجلس القضاء الأعلى لا يصبح نافذا الا بعد اقترانه بتوقيع وزير العدل ومؤخرا اصبح هذا الإمتياز معطى لوزير المال ايضا.
  • ان القرار النهائي الذي تصدره الهيئة العليا لتأديب القضاء يبلغ الى وزير العدل (اي الى الحكومة) الذي يحق له ان يوقف القاضي المحال على مجلس تأديب عن العمل.
  • يشرف وزير العدل (اي الحكومة) على المحاكم العدلية والإدارية. ما عدا النيابات العامة التي خرجت في العام 2001 من تحت وصايته الى وصاية النائب العام لدى محكمة التمييز. لكن السلطة السياسية تنتظر الفرصة للإنقضاض على هذا الإنجاز لكي تُحكم سيطرتها على السلطة القضائية.
    ad
    ولعل ابرز مثال في الوقت الحاضر هو ما يحدث في قضية جريمة تفجير مرفأ بيروت. حيث في مرحلة اولى استُعملت محكمة غير مختصة واعطيت صلاحيات ليست لها، انتهت الى تنحية المحقق العدلي. وفي مرحلة ثانية يجري العمل على استحداث مركز قضائي لا نص عليه في القانون (محقق عدلي ثان اسموه رديفا) يعمل جنبا الى جنب مع المحقق العدلي الأصيل بعد ان اعطي صلاحيات غير موجودة في القانون.
    وبسبب تعاظم حالات استباحة السلطة القضائية من قبل السلطات الأخرى قُدم الى المجلس النيابي عدة مشاريع قوانين تمحورت كلها حول استقلال القضاء. لكن هذه المشاريع ليست اكثر من مشاريع اصلاحية تهدف الى تحسين عمل مرفق العدالة من دون ان تصل الى مرتبة تجعل القضاء سلطة دستورية.
    لذلك نادينا مرارا وما زلنا نطلب من السلطة السياسية ان ترفع يدها عن القضاء وبنفس الوقت طالبنا القضاة بعدم الإستجابة لتدخلات المنظومة السياسية الحاكمة والا سقط القضاء وسقطت معه الدولة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى