صدى المجتمع

نهر دجلة يفيض بالتلوث والجفاف.

تبدو ملامح الفوضى والتلوث البيئي والبصري في نهر دجلة واضحة للعيان، لا سيما عند المرور بالعاصمة العراقية بغداد ذات الكثافة السكانية التي تصل إلى ما يقارب 10 ملايين نسمة.

ويوجد في بغداد وحدها 18 محطة للصرف تلقى خلالها المياه الثقيلة من دون معالجة في مجرى النهر، التي تتراوح بين 500 إلى مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي تطرح يومياً.

وتنتشر على طول نهر دجلة الذي يشق بغداد إلى شطرين الكرخ والرصافة، ملامح الجفاف الذي يعاني منه العراق منذ سنوات، كذلك التلوث وانتشار النفايات فضلاً عن رمي مخلفات المصانع والمستشفيات والمعامل ومياه الصرف الصحي مباشرةً إلى النهر.

وعلى رغم تعهد الحكومة المتكرر بمعالجة التلوث البيئي، إلا أنها لا توجد محاولات حقيقية لعكس واجهة نهر دجلة الذي يصارع الجفاف والتلوث البيئي في العراق، حيث وصلت نسبة تلوث النهر إلى أكثر من 90 في المئة بحسب وزارة البيئة.

مستنقع ملوث بالمياه

وكانت وزارة البيئة حذرت في وقت سابق، من ارتفاع نسب التلوث في نهر دجلة بعد تراجع منسوب الإطلاقات المائية وتصريف كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي دون معالجة.

وقال مدير قسم التخطيط في دائرة بيئة بغداد حيدر يوسف محمود، إن أنابيب الصرف الصحي الثقيلة في بغداد تطرح مخلفاتها إلى نهر دجلة مباشرة مما حوله إلى مستنقع ملوث، مضيفاً أن المياه تطرح من دون معالجة، أو قد تكون هناك معالجة تصل إلى 50 في المئة بسبب ما تعانيه الأنابيب من تكسرات أو تقادم جزء منها، ناهيك عن زيادة عدد السكان في العاصمة، لافتاً إلى أن وحدات المعالجة تعمل لكثافة سكانية تصل إلى ثلاثة ملايين نسمة، بالتالي فإن هناك ضغطاً كبيراً على عملها.

وأضاف يوسف محمود أن نهر دجلة يصارع​ الموت جراء انخفاض الإطلاقات المائية خلال الأعوام الماضية، بالتالي فإن ذلك سيؤثر في سرعة جريان النهر وركود المواد الملوثة، منوهاً إلى أن الدائرة تقوم من خلال فرقها بقياس نسب التلوث في المياه التي تختلف بحسب المواد العالقة والعناصر الثقيلة ونوعية مياه الصرف التي تلقى في النهر الذي أصبح يعاني من تلوثات متعددة جعلت مياهه غير صالحة للاستهلاك.

ولفت المسؤول البيئي إلى أن هناك كمية تتراوح بين 500 إلى مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي تطرح في نهر دجلة يومياً، وهي كبيرة وغير معالجة بشكل كامل، مطالباً بإنشاء مشاريع استراتيجية لإنشاء محطات معالجة وفق أعلى المعايير وبذل جهود مضاعفة من قبل الجهات الحكومية المعنية لتحسين الإطلاقات المائية.

منظر محزن

وفي هذا السياق أشار عيسى أحمد وهو مواطن من سكان أحد الأحياء القريبة من نهر دجلة، إلى أن الروائح والنفايات أصبحت ملازمة لنهر دجلة الذي يشهد جفافاً كبيراً، منوهاً بوجود أنبوب صرف المياه في الحي السكني الذي يسكن فيه، يصب في النهر مباشرة.

ولفت أحمد كذلك إلى غياب الخطط والحلول، لا سيما وأن بغداد تشهد كثافة سكانية عاماً بعد آخر، وانتشار العشوائيات وعدم معالجة أزمة تلوث النهر، التي تتفاقم يومياً من دون حلول من قبل السلطات العراقية، ناهيك عن خطر التلوث الذي يسبب أمراضاً خطيرة.

في حين، طالب الناشط الصحي كريم أشقر الحكومة العراقية، أن تسارع لإيجاد حلول لهذا التدهور وإنقاذ بغداد والمحافظات الجنوبية ومواطنيها من خطر التلوث، عبر تكليف وزارات الصحة والبيئة والزراعة بإزالة أسباب تلوث نهر دجلة، فضلاً عن توجيه أمانة بغداد وكافة بلديات المحافظات ووزارة الصحة بوضع حد لعملية طرح مخلفاتها من مياه الصرف الصحي الثقيلة في النهر مباشرة من دون معالجة، وكذلك معاقبة المسؤولين الذين يصرون على الاستمرار بهذا الفعل منذ سنوات.

ملفات مقبلة

بدوره، توقع الباحث البيئي شكري الحسن، أن يكون ملف تلوث نهر دجلة محط اهتمام كبير في السنوات القليلة المقبلة، مبيناً أن التناقص الملحوظ في الإيرادات المائية عبر نهر دجلة أدى إلى زيادة طرح الملوثات والسموم إلى مجرى النهر، عبر كافة المدن العراقية التي يمر بها نظراً لاعتماد معظم سكان العراق عليه ضمن مصادر الماء والري والصيد والرزق وغيرها.

وأوضح الحسن أن نحو ثلثي العراق يعتمد على هذا النهر المهم بعد تراجع أهمية نهر الفرات الذي يعاني بشكل كبير من شح المياه فيه، مما جعل الثقل والعبء يزداد على دجلة، مضيفاً أن تصاعد معدلات التغير المناخي في السنوات الأخيرة، منها ازدياد موجات الجفاف والارتفاع المفرط في درجات الحرارة، وكذلك اتساع رقعة التصحر، منحت نهر دجلة أهمية بالغة وألقت الضوء على مشكلاته، لا سيما بوجود علاقة عكسية بين زيادة الملوثات وانخفاض الإيرادات المائية.

ونوه الباحث البيئي بأن مياه النهر غير صالحة للاستخدامات البشرية سواء كانت لأغراض الشرب أو الزراعة أو حتى لصالح الأحياء المائية، مبيناً أن المدن العراقية معظمها تلقي بمياه المجاري والمخلفات الصناعية والزراعية في هذا النهر، لافتاً إلى أنه لا يوجد في العراق محطات معالجة حقيقية مما يزيد من المعاناة المائية.

من جهته قال مدير هيئة الاستصلاح المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، إن الملوثات صعب السيطرة عليها كون السيطرة عليها تتوزع صلاحياتها بين منشآت ومؤسسات حكومية مثل دوائر الماء والمجاري والصحة والبلدية، وكذلك محافظات معنية بالقطاع الصناعي صناعة البترول ودوائر النفط والكهرباء، فضلاً عن النشاط الخاص.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن الثقل الأكبر يقع على عاتق المؤسسات الحكومية التي تلقي بمخلفاتها إلى نهر دجلة أو الفرات أو أي مجرى مائي آخر من دون معالجة.

مخلفات سامة

وفي السياق، أقر الخبير البيئي إبراهيم السوداني بأن هناك تلوثاً بدرجة كبيرة نتيجة طرح المجاري من مصادر متعددة سواء صناعية أو زراعية أو حتى منزلية، لذلك يصنف ماء دجلة بدرجة مقبولة على الحافة ويميل إلى التلوث في موسم الجفاف، مما يجعل معالجته ليكون صالحاً للشرب مكلفة.

ونوه السوداني إلى أنه يومياً تلقى قرابة 103 ملايين متر مكعب من مجاري بغداد وحدها، وفيما يبلغ معدل طرح المجاري خمسة مليونات متر مكعب يومياً لأنهار العراق، فضلاً عن مخلفات سامة تطرحها المستشفيات، لافتاً كذلك إلى وجود مضادات حيوية في مياه نهر دجلة مما يجعلها مثيرة للغدد الصماء وتسببها في أمراض سرطانية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى