رأي

لماذا أفغانستان؟.. ولماذا النيجر؟

كتب فيصل محمد بن سبت في صحيفة القبس.

المثل يقول: «الذيب ما يهرول عبثاً».. وهرولة الذيب لا بد لها من سبب، ويقال هذا الوصف في الإنسان المخادع، الذي يستغل الأحداث وما يدور حوله من أمور لمصلحته دون غيره من الناس، وهذا المثل ينطبق تماماً على الدول الكبرى التي سعت وهرولت طوال السنوات الماضية للسيطرة على دول العالم الثالث، والاستحواذ على خيراتها تحت شعار نشر الديموقراطية والحرية لشعوبها.

عندما احتلت أميركا أفغانستان (ومن قبلها الاتحاد السوفيتي فعل ذلك)، ونصبّت عليها أحد اتباعها من حاملي الجنسية الأميركية، كان الهدف الرئيسي هو خيرات أفغانستان، التي لم يعلم بها الكثير من الناس، وكانت الديموقراطية والحرية للشعب الأفغاني ومكافحة الإرهاب الطالباني الغطاء المناسب لذلك الاحتلال، الذي استمر سنوات لاستنزاف خيرات هذا البلد، وعندما غادرتها (ومن قبلها الاتحاد السوفيتي مهزوماً)، كانت مجبرة على ذلك، وليس برغبتها بعد فشلها والحكومة الدمية التي نصبتها في إدارة أمور البلاد.

اليوم تكشف لنا التقارير الرسمية مدى أهمية أفغانستان لتلك الدول، وسبب الرغبة المميتة للسيطرة عليها، ولماذا سمتها وزارة الدفاع الأميركية في عام 2010 بـ«أفغانستان.. مملكة الليثيوم»؟ ذلك لأن خيرات أفغانستان تشمل 60 مليون طن من النحاس، وأكثر من ملياري طن من خام الحديد، وكميات كبيرة من الذهب والفضة والزنك، وغيرها من المعادن النادرة، بالإضافة إلى ما يقدر بـ21 مليون طن من معدن الليثيوم، الذي سوف يكون ضرورياً، ولا غنى عنه مستقبلاً لإنتاج السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة المتجددة وغيرها.

ولهذا السبب تتسابق الدول الكبرى اليوم لنيل رضا حكومة طالبان، والفوز بعقود التعدين هناك، بعد أن عجزت عن ذلك عسكرياً.

أما جمهورية النيجر، فهذه الدولة المسلمة الأخرى، وهي من المستعمرات الفرنسية التي استقلت منها في عام 1960، فلا تقل أهميتها دولياً عن أختها أفغانستان، لما تملكه من خيرات طبيعية عظيمة، وهذا ما أبقاها تحت النفوذ الفرنسي غير المباشر عبر حكوماتها الموالية لفرنسا، وبقوة وحدات الجيش الفرنسي المرابط في أراضيها.

انقلاب النيجر كانت له ردة فعل غربية كبيرة، وخاصة من فرنسا، التي تعتبر المستفيد الأكبر من خيراتها، وتتمتع شركاتها بالكثير من المزايا فيها، فبالإضافة إلى الذهب والنحاس والنفط والحديد، وغيرها من المعادن التي يسيل لها لعاب الدول الغربية، تعتبر النيجر من أهم مصدري خام اليورانيوم في أفريقيا، ورابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطياته، والذي تمتلك حقوق تعدينه بالطبع الشركة الفرنسية «أريفا»، وتستورد منه فرنسا ما يقارب %20 من احتياجاتها، ولهذا كانت ردة الفعل الفرنسية ضد الانقلاب قوية بخلاف الدول الأخرى.

جاء الانقلاب لأنه بالرغم من كل هذه الثروة من المعادن، بالإضافة إلى الثروة الزراعية والحيوانية، فإن النيجر تعتبر من الدول الفقيرة، ومن أكثر الدول مديونية عالمياً، لأن معظم نتاج خيراتها يذهب لغير أهلها.

يقول المثل: «إذا عُرف السبب بطل العجب»، فصراخ الدول الغربية وتحسرها على فقدان سيطرتها على دول العالم الثالث الغنية، ليس من حرصها على نشر الديموقراطية والحرية في تلك البلدان، ولكن بسبب فقدانها لكنوز تلك الدول.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى