سيناريوهات اميركية في الاسواق اللبنانية؟
كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
مع الإدانة الكاملة لكلّ أنواع العنف، في أي بلد كان، إلا أن إعلان الشرطة الأميركية سقوط قتلى وجرحى، بعد اقتحام سيارة أحد العروض الميلادية في ولاية ويسكونسن الأميركية، يضع الأزمة اللبنانية في الضّوء، رغم بُعد المسافات بين البلدين، والفرق الشاسع بين أسباب المشاكل والأزمات المعيشية والاجتماعية، في كلّ منهما.
انحرافات
الحوادث التي تطال بعض الحشود أو الأسواق الميلادية كثيرة، وهي قادرة على أن تكون متكرّرة سنوياً، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا، أو في بلدان أخرى حول العالم. وأسبابها كثيرة، وقد لا تتعلّق بتعاطي المُعتدين المخدرات، أو بإمكانية أن يكونوا خرّيجي سجون، أو مرتكبي جرائم، أو منتمين الى منظّمات إرهابية، بالضّرورة.
فالشّعور بالوحدة، أو بنبذ الأهل، أو المجتمع… أو حتى بعض المشاكل العائلية أو الفردية أو المعيشية الظرفية، قادرة أحياناً كثيرة على التسبُّب بنوبات من الحزن والكآبة والغضب، التي تقود بدورها الى تصرّفات غير مسؤولة، أو عنيفة، تبدأ من الدائرة المنزلية الضيّقة، قبل أن تتوسّع الى ما هو أكبر، وصولاً الى انحرافات خطيرة.
في لبنان
تزداد نِسَب الشّعور بالوحدة لدى البعض في العادة، خلال أيام الأعياد، أو في أوان عَيْش غيرهم السعادة الإجتماعية الجماعية، فيما تكون “الذّات الخاصّة” في حال من الحزن أو اليأس… وهذا قادر بدوره على التسبُّب ببعض السلوكيات العنيفة في المجتمعات. ولكن في بلد مثل لبنان، تُكسَر القواعد البشرية في معظم الأشياء، وحتى في ما يتعلّق منها بالأبعاد الإنسانية، وفي أوقات الأزمات الإنسانية، والمعيشية، الحادّة جدّاً.
تُزلزِل
قد ينظر المجتمع الدولي الى الشّعب اللبناني، لا ليقدّر “بطولته”، أو تحمّله ما لا يُحتَمَل على صعيد أزمة حادّة، حلّها لن يكون قريباً، بل ليتعجّب (المجتمع الدولي) من شعب يموت، وهو يضحك، ويأكل، ويشرب، ويعيش، ويُعيِّد، رغم أنه بات من أشباه البشر، وذلك تماماً مثل حكامه الذين هم أقرب الى أشباه حكّام.
ورغم ذلك، يُفاخر هذا الشعب (اللبناني) بالموت “عا الواقف”، فيما يُفتَرَض أن نِسَب الفقر المتزايد “تُزلزل” الأرض في أكبر دول العالم، بما يستحيل إيقافه قبل إرساء الحلول الجذرية السريعة.
مظاهر “بَطَر”
لا نقول إنه يجب اقتحام المحال، والمجمّعات التجارية، والأسواق، للتعبير عن الوجع اللبناني. ولكن يُمكن فعل أعظم من ذلك، من دون عنف، وبلا إسقاط نقطة دم واحدة.
فعلى سبيل المثال، كيف يمكن لمجتمع دولي أن يصدّق أن شعباً يموت، ويحتاج الى مساعدة فعلية عاجلة، بموازاة الكثير من مظاهر “البَطَر” في عدد من مطاعمنا، ومؤسّساتنا السياحية، ومحالنا الكبرى، حتى الساعة، ورغم الإنهيار المالي المُتزايد؟
1515
وما هو هذا التغيير الذي يمكننا أن نطلب مساعدة أصدقاء لبنان للوصول إليه، فيما سلوكيات مختلف الطبقات الإجتماعية اللبنانية لا تليق بمستوى شعب يتألّم، بحثاً عن التغيير.
وكيف يمكن مساعدة شعب يتألّم نعم، ولكن لأنه يحنّ الى أيام دولار الـ 1515، بفسادها، وليس لبناء دولة الحقّ والحقيقة والعدالة والمساواة، بعيداً من الشعارات “المدنيّة” التافهة، والأكثر فساداً من الدولة التي عرفناها في السابق، والتي هي أقرب الى غرفة “زواج مُتعَة” بين المال والسلاح؟
جمود
أين اقتحام المحال، والأسواق، والمجمّعات التجارية الكبرى في لبنان، بجعلها “عم تصوفر” بحقّ، وبما يمنع حتى القول، “حركة بلا بركة”؟
فعندما تأكل اللّعنة كلّ شيء، يُصبح الجمود ضرورياً، ومطلوباً. ووقف الحركة في البلد، وشلّها بالكامل، يُصبح في تلك الحالة، الضّوء الذي يُمكن لشعب عالق في عرض البحر، بين غريق وشبه غريق، بعدما اصطدمت سفينته بالجليد، أن يرفعه، طلباً للنّجدة من طائرة تحلّق فوق رداء المياه الواسع. وجَعْل البلد في جمود اللاحركة، أي بعيداً من حركة اللّعنة، هو خطوة أولى لجذب انتباه العالم الى ضرورة الإسراع في الاستجابة لحاجات شعب يموت، وبلد يُحتَضَر.
مستمرّ
ولكن شعبنا لا يموت كلّه، وهذا أمر نعرفه. ومن يموتون، يموتون، و”عا بال مين”، فيما “التّمسَحَة” تأكل من تبقّوا، وهم يتآلفون معها، نظراً الى قدرتهم على الاستمرار في انهيار، بمدّة زمنية أطول بَعْد.
الإنهيار مستمرّ، وأضعف من في شعبنا ينهار معه. والحلّ المستحيل في بلادنا هو رؤية شعبنا يقتحم، ويحطّم، في طريق العودة الى مجتمع، ووطن.
(اخبار اليوم)