شؤون دولية

تطورات عسكرية ودبلوماسية بين روسيا واوكرانيا…وبايدن يبادر لتهدئة الاوضاع

يجري الرئيسان الأميركيّ جو بايدن والروسيّ فلاديمير بوتين اتصالاً عبر الفيديو يوم الثلثاء يناقشان فيه القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدّمتها أوكرانيا. عمدت روسيا إلى حشد قوّاتها على الحدود الأوكرانية في ربيع وخريف 2021 مثيرة مخاوف بشأن هجوم محتمل. وأتى إعلان البيت الأبيض بعدما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنّ روسيا أعدّت خططاً للقيام بهجوم “على نطاق واسع” ضدّ أوكرانيا.

من جهتها، أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي إنّ بايدن سوف “يشدّد على مخاوف الولايات المتحدة من النشاطات العسكريّة الروسيّة على الحدود مع أوكرانيا وسوف يعيد تأكيد دعم الولايات المتحدة لسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا” خلال المكالمة مع نظيره الروسيّ.

قالت كييف إنّ روسيا حشدت نحو 94 ألف جنديّ على حدود البلاد الشرقيّة وهو عدد مساوٍ تقريباً للحشود التي انتشرت في نيسان الماضي. وتوقّع وزير دفاعها أوليكسي ريزنيكوف هجوماً روسيّاً بحلول نهاية كانون الثاني المقبل، بناء على معلومات استخباريّة. تنفي روسيا كلّ هذه الاتّهامات وتردّ بالقول إنّ أوكرانيا هي التي تراكم قدراتها العسكرية على الحدود.

في الوقت نفسه، تطالب موسكو بـ”ضمانات أمنيّة” قاضية بوقف حلف شمال الأطلسيّ “ناتو” توسّعه شرقاً باتّجاه روسيا. وانضمام أوكرانيا إلى الحلف هو أحد “الخطوط الحمراء” بالنسبة إلى موسكو. وتقدّمت أوكرانيا بطلب الانضمام إلى “الناتو” في 2008، لكنّ دراسة الملفّ لم تفضِ إلى أيّ نتيجة. حتى أنّ بايدن قام بتجميد مساعدة عسكريّة بقيمة 100 مليون دولار بعد قمّته مع بوتين التي استضافتها #جنيف في حزيران الماضي.

تهديدات متبادلة

يوم الجمعة، وقبل توجّهه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في كمب دايفد، قال بايدن للمراسلين: “أنا لا أقبل الخطوط الحمراء من أيّ أحد”. في أواخر تشرين الثاني، وخلال منتدى للاستثمار في موسكو، تحدّث بوتين عن أنّ بلاده ستضطرّ للتحرّك إذا تمّ انتهاك “خطوطها الحمراء” في أوكرانيا والقاضية برفض نشر بعض الأنواع من الأسلحة على تلك الأراضي.

وقال بوتين: “إذا ظهرت بعض أنواع أنظمة الهجوم على أراضي أوكرانيا، فسيكون زمن رحلة (الصواريخ) إلى موسكو بين 7 إلى 10 دقائق، وخمس دقائق في حالة نشر سلاح فرط صوتيّ. فقط تخيّل”. وأضاف: “ماذا سنفعل في هكذا سيناريو؟ سيكون علينا تأسيس شيء مشابه بالنسبة إلى هؤلاء الذين يهدّدوننا بهذه الطريقة. وبإمكاننا فعل ذلك الآن”.

وأشار بايدن الجمعة إلى أنّه ومستشاريه يعدّون مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى ردع موسكو عن شنّ أيّ هجوم. وأوضح: “ما أفعله هو جمع ما أعتقد أنّه سيكون أكثر مجموعة فاعلة وشاملة من المبادرات لجعل مضيّ السيد بوتين قدماً في فعل ما يُقلق الناس حالياً أمراً صعباً جداً، جداً”.

من جهته، ذكر وزير الدفاع لويد أوستين أنّ واشنطن ملتزمة بضمان حصول أوكرانيا على ما هي بحاجة إليه كي تدافع عن أراضيها. وحذّر بلينكن نظيره الروسيّ سيرغي لافروف الأسبوع الماضي من أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين سيفرضون “أكلافاً وتداعيات شديدة على روسيا إذا اتّخذت المزيد من التحرّكات العدوانيّة ضدّ أوكرانيا”. ليس واضحاً ما إذا كان الاتّصال بين الرئيسين سيشكّل استمراراً للتصعيد الكلاميّ بين مسؤولي الدولتين أو أنّه سيضع حدّاً لها عبر اتّفاق يتوصّل إليه بايدن وبوتين في اللحظات الأخيرة.

سيف ذو حدّين

أعرب السيناتور الديموقراطيّ كريس مورفي الأحد عن تفاؤله بشأن المحادثات نافياً وجود بديل عن الديبلوماسيّة الشخصيّة. لكنّه حذّر في حديث إلى شبكة “سي أن أن” من أنّ روسيا سترتكب “خطأ تاريخياً” لو نفّذت هجومها العسكريّ. وواصل تحذيره قائلاً: “يمكن أن تصبح أوكرانيا #أفغانستان المقبلة لروسيا إذا اختارت المضيّ قدماً. وسيكون علينا نحن في الكونغرس توضيح أنّنا سنكون شركاء ديبلوماسيّين، سياسيّين وعسكريّين مع أوكرانيا”. لكنّ أفغانستان باتت سيفاً ذا حدّين في الخطاب الإعلاميّ والعسكريّ داخل الولايات المتحدة.

فبعدما شكّلت تلك التجربة أقسى ضربة استراتيجيّة تلقّتها موسكو السوفياتيّة، أصبحت أفغانستان أيضاً أكبر ضربة معنويّة تلقّتها الولايات المتحدة خلال عقدين مع مشاهد الانسحاب الفوضويّة والدمويّة شهرَ آب الماضي. في الواقع، إنّ التجربة الأميركيّة الأخيرة في أفغانستان والتي سجّلت خلالها الولايات المتحدة “هدفاً ذاتيّاً” لم تكن مجبرة عليه، قد تشكّل حافزاً لروسيا من أجل شنّ هجومها.

إذا كانت واشنطن قد فضّلت الانسحاب من أفغانستان على الرغم من أنّ مجموع خسائرها البشريّة قارب المئة على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، فقد يفضّل الأميركيّون أيضاً تفادي الانجرار إلى نزاع أخطر مع الروس. من شبه المؤكّد أن يبقى الأميركيّون خارج الميدان خلال الأشهر الأولى على اندلاع النزاع المحتمل، بالتوازي مع حصر مهامهم بتقديم المساعدات والمشورة العسكريّة والإمدادات الحيويّة الأخرى إلى أوكرانيا. لكنّ هذه الحسابات قد تتغيّر في حال طال النزاع.

“تحدٍّ أكبر”

تقاطعت معلومات وزير الدفاع الأوكرانيّ بشأن الهجوم المقبل أوائل 2022 مع معلومات استخباريّة أميركية أخرى ذكرتها صحيفة “واشنطن بوست” الجمعة عن حصول الهجوم في التوقيت نفسه. وأشارت الصحيفة إلى أنّ “الخطط تشمل تحريكاً مكثّفاً لمئة كتيبة تكتيكيّة مع ما يقدّر بـ 175 ألف عنصر، إلى جانب مدرّعات ومدفعية وتجهيزات”.

لا تعني هذه التقارير أنّ الهجوم العسكريّ الروسيّ بات وشيكاً. حتى مع افتراض أنّ موسكو ستجهّز 175 ألف عنصر لهكذا توغّل، يبقى أنّ عدد القوات الأوكرانيّة لا يزال أكبر ويصل إلى حدود 255 ألفاً من دون ذكر عديد الاحتياط الذي يساوي 900 ألف ومن دون ذكر الميليشيات التي قد تتشكّل في هكذا حرب.

لا تترادف هذه الأرقام مع تفوّق للجيش الأوكرانيّ على نظيره الروسيّ بما أنّ لموسكو مليون جنديّ في الخدمة ومليونان في الاحتياط إضافة إلى تمتّعها بالتفوّق التكنولوجيّ. لكن قد يكون شبهَ ثابت أنّ الجيش الأوكرانيّ بات يشكّل “تحدّياً أكبر” لروسيا بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع في 2014 لحظة ضمّ القرم، وفقاً لتقرير في مجلّة “بوليتيكو”.

خلال المنتدى الاستثماريّ في موسكو، قال بوتين إنّ “صنع تهديدات كهذه (في أوكرانيا) سيشكّل خطوطاً حمراء بالنسبة إلينا. لكنّني آمل أنّ الأمر لن يصل إلى ذلك (الحد). آمل أن يسود الحسّ السليم، والمسؤوليّة تجاه بلدينا والمجتمع الدوليّ”.

ساعات ويدرك العالم ما إذا كانت آمال بوتين وآخرين ستصدق أم تخيب.

المصدر
النهار

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى