بوتين بين بايدن وترامب
في رده على سؤال حول من تفضّل روسيا أن يفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة: المرشح الديمقراطي جو بايدن أو المرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب؟ ردّ الرئيس الروسي أنه «على استعداد للتعامل مع الفائز أيّاً كان، لكن بايدن أكثر خبرة، ويمكن توقع تصرفاته.. إنه سياسي من المدرسة القديمة».
وفي تعليق على الانتقادات المتعلقة بعمر بايدن الذي سيبلغ 82 عاماً بعد أسابيع فقط من الانتخابات قال بوتين: «عندما التقيت السيد بايدن قبل ثلاث سنوات (في جنيف)، كان الناس يتحدثون حينها عن عجزه، لكنني لم أرَ شيئاً من هذا القبيل».
جواب بوتين وإشادته بكفاءة بايدن وقدراته، لا شك فاجأت الكثيرين داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ إذ كان من المتوقع أن يكون جوابه حاسماً، وهو أنه يفضل ترامب بسبب مواقفه من الحرب الأوكرانية تحديداً، وعزمه على وقف دعمها عسكرياً في حال فوزه، وسعيه لوقف الحرب «خلال 24 ساعة»، إضافة إلى موقفه السلبي من حلف الأطلسي الذي يجب عليه تحمل تكاليف الحماية الأمريكية لأوروبا، بما يعنيه ذلك من تخفيف المجابهة على الساحة الأوروبية مع روسيا.
لكن قد يكون موقف بوتين ليس هو الموقف الحقيقي لروسيا، وقد يكون ترامب على حق في أن يقول تعليقاً على هذا الموقف إنه «مجرد مجاملة». وقال ترامب، في كلمة ألقاها أمام أنصاره في نشارلستون بولاية ساوث كارولينا: «كثير من الناس سيقولون إن ذلك سيّئ.. لا على الإطلاق.. إنها تصريحات جيدة»، أي أنه لم يرَ في موقف بوتين ما يجعله يغيّر من مواقفه من الحرب الأوكرانية ولا من حلف الأطلسي، ولا أن يتراجع عن وصفه للرئيس الروسي قبل أيام أمام أنصاره في ولاية كارولينا الجنوبية بأنه «ذكي للغاية.. وذكي جداً».
في الحسابات السياسية المعقدة، مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتأثيرها على العلاقات الدولية، وموقف الدول الأخرى منها ومن المنخرطين فيها، تكون الحسابات دقيقة؛ لأن العلاقة مع أي إدارة أمريكية جديدة تكون محكومة بالموقف منها سلباً أو إيجاباً، ذلك أن العلاقات بين الدول تأخذ مساراً في اتجاهين يتكاملان في مجرى المصالح المشتركة، وبالقدر الذي تكون فيه المسارات إيجابية بقدر ما تتحقق من خلالها المصالح المشتركة.
في مجرى العلاقات الأمريكية – الروسية هناك الكثير من الاختلاف وصراع المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية بين البلدين، الذي يأخذ شكل الحروب بالوكالة كما على الساحة الأوكرانية، إضافة إلى الحصار الاقتصادي والعقوبات والتوسع باتجاه الحدود الشرقية الروسية، والتحريض الأوروبي عليها، وكلها جزء من صراع على النظام الدولي الذي تشارك فيه الصين بشراسة أيضاً، حيث تسعى واشنطن لتأخير قيام هذا النظام من خلال إثارة الصراعات لتمديد عمر نظامها.
ربما تكون روسيا أكثر تأييداً لدونالد ترامب، وهو على الأرجح يعلم ذلك، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تقطع مع بايدن، رغم أن بوتين وصف موقف إدارته بأنه «ضار إلى أقصى حد». لكنها السياسة التي تراعي العلاقات مع الآخر حتى ولو كانت غير منسجمة معه.
ربما لو كانت روسيا تؤثر في مجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لكان لها مرشحها المفضل، وجاهرت به، وقد يكون المرشح الديمقراطي روبرت كيندي جونيور الذي تتقارب مواقفه من موقف الكرملين تجاه الحرب الأوكرانية التي قال عنها «إن الأمريكيين يتضوّرون جوعاً لتمويل حرب لا تخدم أية مصالح أمريكية»، كما اتهم بلاده بأنها «خلقت الاستفزازات المتكررة لروسيا منذ التسعينات»، ووصف مساعي ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي بأنها «استفزاز غير ضروري، ومسار نحو الانزلاق إلى حرب مفتوحة مع روسيا».
لا يعني تصريح بوتين أن الكرملين يؤيد انتخاب بايدن، ولا يعني أيضاً أنه يعارض ترامب..
المصدر: صحيفة الخليج