رأي

البحرين ومسار التطبيع

كتب خليل العناني في ”  العربي الجديد “:

افتتحت إسرائيل، في الثالث عشر من يوليو/ تموز 2009، أول مكتب رسمي سرّي لها في عاصمة مملكة البحرين، المنامة. وبحسب موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي، بدأت المفاوضات بشأن التطبيع بين الجانبين ما بين عامي 2007 و2008، من خلال سلسلة من الاجتماعات السرية عُقدت بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، تسيبي ليفني، ونظيرها البحريني خالد بن أحمد آل خليفة. استغلت البحرين قرار قطر آنذاك إغلاق البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الدوحة، من أجل فتح بعثة إسرائيلية سرّية في المنامة.

وبعد ذلك بأقل من عامين، تم الاتفاق على افتتاح مكتب استشارات يحمل اسماً وهمياً هو “مركز الدراسات الدولية” غطاءً، بحيث يكون مقرّاً للبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية التي بدأت تعمل سرّاً في المنامة. وفي عام 2013 تم تغيير اسم المركز، أو الشركة بالأحرى، لكنّ موقع “أكسيوس” لم يفصح عن الاسم الجديد لأسباب أمنية بحسب معد التقرير، باراك رافيد. كان المركز (أو الشركة) يدّعي ظاهرياً أنّه يقدّم خدمات استشارية للترويج التجاري والاستثمار في البحرين، خصوصاً في المجالات غير النفطية، كالأمن الغذائي والتكنولوجيا الطبية وأمن المعلومات. لكنّه في الحقيقة كان واجهة لبعثة دبلوماسية إسرائيلية كانت تعمل سرّاً في البحرين.

ولمزيد من التحايل والسرّية، كان يجري تعيين إسرائيليين مزدوجي الجنسية، منهم مثلاً بريت جوناثان ميلر، وهو مواطن من جنوب أفريقيا عيّن في عام 2013 قنصلاً عامًا لإسرائيل في مومباي. والمساهم الثاني، إيدو مويد، مواطن بلجيكي يعمل حالياً منسقاً إلكترونياً في وزارة الخارجية الإسرائيلية. كذلك كان عضو مجلس إدارة الشركة إيلان فلوس، وهو بريطاني الجنسية، ويعمل الآن نائباً للمدير العام لشؤون الاقتصاد في الخارجية الإسرائيلية. وفي 2018، عيّنت الشركة رئيساً تنفيذياً جديداً من أصول أميركية، وجرى استبداله، أخيراً، بدبلوماسي إسرائيلي آخر يحمل جنسية مزدوجة. كان لدى الدبلوماسيين الإسرائيليين جميعاً قصص تغطية، مدعومة بملفات شخصية غير مقنعة على موقع “لينكد إن”. وحسب تقرير “أكسيوس”، كان المسؤولون البحرينيون على علم بعمل الشركة التي ساعدت في عقد مئات الصفقات التجارية التي أبرمتها الشركات الإسرائيلية في البحرين. كما عملت كقناة اتصالات سرّية بين الحكومتين، البحرينية والإسرائيلية.

سوف يزداد الطلب الخليجي على الدخول في مظلة الحماية الإسرائيلية، مع الشعور بالانسحاب التكتيكي لأميركا من المنطقة من جهة، والخوف من أن تصبح هذه البلدان منكشفة أمام إيران من جهة أخرى

في الثاني عشر من سبتمبر/ أيلول 2020، ذكر الموقع نفسه (أكسيوس الإخباري الأميركي) أنّ البحرين هي من سعت إلى التطبيع مع إسرائيل، وأنّ مسؤولين منها قد تواصلوا مع نظرائهم في البيت الأبيض في أغسطس/ آب 2020، في أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وطلبوا منهم أن تكون بلادهم الدولة التالية في جدول التطبيع مع إسرائيل، بعد دولة الإمارات التي كانت قد أعلنت عن التطبيع مع إسرائيل في منتصف الشهر نفسه. وفي الثالث من فبراير/ شباط الجاري حطّت طائرة تابعة للسلاج الجوي الإسرائيلي في مطار البحرين الدولي، وعلى متنها وزير دفاع دولة الاحتلال، بيني غانتس، في زيارة هي الأولى من نوعها. استُقبل في المطار بحرارة واضحة، والتقى خلال زيارته التي لم تستمر اكثر من يوم كبار المسؤولين البحرينيين. وزار والوفد المرافق له مقرّ الأسطول الخامس للبحرية الأميركية في البحرين. أما الأهم في الزيارة فقد كان توقيع البحرين وإسرائيل اتفاقية دفاعية هي الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة خليجية. وقبل يومين، أفادت تقارير إسرائيلية بأنّ تل أبيب عينّت، وللمرة الأولى في التاريخ، ضابطاً إسرائيلياً كبيراً بمنصب رسمي في البحرين، لكي يكون مسؤولاً عن التنسيق مع الأسطول الخامس الأميركي هناك.

إذا أخذنا خطوة إلى الخلف، وحاولنا تجميع هذه الأحداث، كي نتمكّن من رؤية الصورة الكبيرة، نكتشف أمراً واحداً جلياً وواضحاً للعيان، أنّ البحرين قد أصبحت فعلياً ضمن منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، وأنّ العلاقة بين المنامة وبين تل أبيب، والمستمرة سرّاً منذ عقد ونيف على الأقل، لن تتوقف عند مسائل التعاون الاستراتيجي والاستخباراتي والأمني، وإنما قد تتحوّل البحرين، خلال السنوات القادمة، كي تصبح جيباً استيطانياً جديداً لإسرائيل في منطقة الخليج العربي.

والاستيطان هنا ليس مجازياً أو رمزياً، وإنما مادّي وفعلي، فمن شأن توقيع اتفاقية للدفاع بين المنامة وتل أبيب أن تعطي الأخيرة الحق في الوجود المادي في البحرين، من خلال نشر قوات وأسلحة ومعدّات إسرائيلية على الأراضي البحرينية تحت ادّعاء مواجهة الخطرالإيراني، فقد نجحت إسرائيل، بمهارةٍ شديدةٍ تُحسَد عليها، في تسويق فكرة الخطر الإيراني على الدول العربية، خصوصاً دول الخليج، طوال العقد الماضي، وذلك مدخلاً ومبرّراً للتطبيع معها، ولتقوية حضورها ونفوذها وتطوير علاقاتها الاستراتيجية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية مع دول الخليج العربي.

لن نُفاجأ إذا سمعنا قريباً عن إنشاء قواعد إسرائيلية في الخليج العربي، سواء في أبوظبي أو المنامة

وسوف يزداد الطلب الخليجي على الدخول في مظلة الحماية الأمنية الإسرائيلية، مع الشعور بالانسحاب التكتيكي للولايات المتحدة من المنطقة من جهة، والخوف من أن تصبح هذه البلدان منكشفة أمام “البعبع” الإيراني من جهة أخرى. لذلك، لن نُفاجأ إذا سمعنا قريباً عن إنشاء قواعد إسرائيلية في الخليج العربي، سواء في أبوظبي أو المنامة أو في الأجزاء التي تسيطر عليها الإمارات في اليمن، مثل جزيرة سقطرى.

ولن يتوقف الأمر عند “الاستيطان” العسكري والاستخباراتي والأمني، وإنما سوف يتخطّاه إلى إقامة تجمعات وأحياء سكنية استيطانية من باب توطيد التطبيع الثقافي والاجتماعي والديني بين إسرائيل ودول الخليج العربي، على نحو ما يتردد حول الديانة الإبراهيمية التي تتبنّاها وتروجها الإمارات حالياً، وذلك لتمهيد الأجواء من أجل التطبيع الشعبي والمجتمعي بين العرب وإسرائيل. وسوف يبدأ سيناريو الاستيطان في الدولة الرخوة في الخليج العربي، البحرين، ثم يتمدّد ليشمل مدناً وأماكن أخرى، خصوصاً في الإمارات والسعودية، وذلك كله تحت شعار مواجهة “العدو” المشترك؛ إيران.

ولا أستعبد أن تكون إسرائيل قد بدأت بالفعل في تدشين هذا النوع من الاستيطان الجديد، خصوصاً في البحرين، وقد لا يمرّ وقت طويل حتى نقرأ خبراً عنه في الصحافة الإسرائيلية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى