أبرزرأي

الصورة والحقيقة في السباق الأمريكي

كتب عبدالله السناوي, في “الخليج”:

لم يحسم السباق المحتدم إلى البيت الأبيض بعد، لكنه دخل أخطر منعطفاته بعد المناظرة التي شهدها العالم، الثلاثاء الماضي، وجمعت المرشحين للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهما كامالا هاريس، عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري.

يقال، عادة، إن الصورة أقوى من الحقيقة، أو أن ما يستقر من انطباعات في الرأي العام أهم من البرامج في تقرير التداعيات ومسارها.

بقوة الانطباع العام، الذي عكسته الأغلبية الساحقة من استطلاعات الرأي العام وتعليقات كبريات الصحف والمواقع الأمريكية، حدث ما لم يكن متوقعاً، فقد خسر ترامب المناظرة، على الرغم مما يقال عن خبرته الطويلة في هذا المجال وكسبتها هاريس التي يفترض أنها بلا خبرة.

نجحت هاريس في أن تقدم نفسها للرأي العام الأمريكي كمرشحة جدية قادرة على الوفاء بمهام المنصب الرئاسي، وفي الوقت نفسه نسخت صورة «مرشحة ملء الفراغ»، إثر الخروج الاضطراري للرئيس الحالي جو بايدن على خلفية أوضاعه الصحية والذهنية الكارثية، التي بدا عليها في المناظرة السابقة مع دونالد ترامب.
اختلفت الأجواء والنتائج في المناظرة الجديدة، التي عقدت في بنسلفانيا، إحدى أهم الولايات المتأرجحة في تقرير لمن الفوز في النهاية.
وفق استخلاص عام، سائد وصحيح، فإن المناظرة لا تحسم الانتخابات، لكنها تعزز الروح المعنوية عند طرف وتربك الطرف الآخر، وحسب تقدير قيادات جمهورية عديدة، فإن «أداء ترامب لم يكن جيداً، لكنه ليس مدمراً».
بصيغة أكثر وضوحاً يقول السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، وهو واحد من أوثق حلفاء الرئيس السابق دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو معاً: «كان كارثياً، لكن لم تفت بعد فرصة المراجعة».
إلى أي حد تمكن تلك المراجعة والتصحيح في صورة ترامب، التي تضررت بصورة بالغة.
يمكن القول إن أخطر عائق هو ترامب نفسه، فبعد المناظرة أعلن انتصاره فيها، على عكس الحقيقة الماثلة في استطلاعات الرأي العام.
عندما دعته حملة هاريس إلى مناظرة ثانية، رفض ترامب أن يدخل التجربة من جديد، خشية أن تلحق به قبيل الانتخابات الرئاسية مباشرة هزيمة أخرى، تكون قاتلة هذه المرة، فقال كمن يداري هزيمته، لقد كسبت الأولى ولا داعي للثانية.
بصورة أخرى بدا ترامب كمن ينكر الحقائق وفق أهوائه، كخسارته الانتخابات الرئاسية السابقة وتورطه في حصار مبنى «الكابيتول» لمنع اعتماد نتائجها، اهتزت صورة «ترامب» بعمق بالتورط في ادعاءات غير صحيحة ومفرطة في عنصريتها دون أن يكون لها ظل من حقيقة، أو شبه ظل فيما قاله وجرى تكذيبه على الهواء مباشرة من منظمي المناظرة ومن السلطات في ولاية أوهايو إن المهاجرين يأكلون الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب.
كان ذلك سحباً على المكشوف من أي رصيد صدقية، أو فيما يطلقه من تصريحات وأحكام.
في تفسيره للصورة التي كان عليها في المناظرة اتهم منظميها بالتحيز ضده بقوله «كانوا ثلاثة ضد واحد»، كان ذلك شرخاً عميقاً آخر بالإمعان في نظرية المؤامرة.
تعمدت هاريس، استفزازه بإهانات مقصودة، كالقول إن تجمعاته الانتخابية يغادرها الناس سريعاً تخلصاً من الملل.
لم يكن لديه ما يقوله عن حربي أوكرانيا وغزة غير كلام عام أقرب إلى التمويهات دون أن تكون لديه خطة، أو تصور واضح لما سوف يتبعه من سياسات.
«لو كنت رئيساً لما جرت الحرب الأوكرانية»، «باتصال هاتفي واحد مع بوتين سوف أنهي الحرب بالوساطة قبل أن أدخل البيت الأبيض».
أفلتت منه بالمبالغات في غير موضعها فرصة توجيه ضربات قاتلة لنائبة جو بايدن، بشأن الانسحاب العشوائي من أفغانستان والحرب المكلفة اقتصادياً واستراتيجياً في أوكرانيا.
لم يبد الكرملين ارتياحاً للطريقة التي جرى بها الحديث عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا التصورات الساذجة التي رددها ترامب.
كان بايدن، الغائب الحاضر في المناظرة، فقد بنى ترامب استراتيجيته على الهجوم المتصل عليه بمناسبة، أو دون مناسبة، واضطرت هاريس أن تذكره أنها هي التي تنافسه، وفي نفس الوقت حاولت التخفف من عبء بايدن، دون إساءة إليه.
اتسمت إدارته، التي كانت شريكاً رئيسياً فيها، بالعسكرة الزائدة في حرب أوكرانيا وغزة، مع ذلك اتهمها ترامب بكراهية إسرائيل، والعرب أيضاً.
قال من باب المبالغة المفرطة «إنها إذا أصبحت رئيسة، فإن إسرائيل سوف تختفي بغضون عامين» متماهياً مع نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف.
بدت هاريس، كمن وقع بين فكي كماشة، بتوصيف توماس فريدمان في ال«نيويورك تايمز»، إذ تماهت مع إسرائيل على طريقته فسوف تخسر أصوات الجاليات العربية والإسلامية ويسار الحزب الديمقراطي القريبة منه، وإذا دانت العدوانية الإسرائيلية وجرائم الحرب، التي ترتكبها فسوف تخسر أصوات اللوبيات اليهودية النافذة في بنية ذلك الحزب.
كلاهما كامالا هاريس، ودونالد ترامب، أعلنا التزاماً كاملاً بالأمن الإسرائيلي، لكن وطأتها بدت أقل بما لا يقاس مع المرشح الآخر.
حاولت هاريس، أن توازن ما بين تبني الرواية الإسرائيلية، التي ثبت عدم صحتها، عن أحداث السابع من أكتوبر وحقها في الدفاع عن نفسها «لكن ليس بالأسلوب الذي اتبعته وأفضى إلى سقوط الكثير من الضحايا الأبرياء».
ثم أخذ خطابها يرتفع بصورة محدودة، لكن ملموسة عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وأن تكون لهم دولة، وضرورة وقف الحرب في غزة وإجراء صفقة تبادل أسرى ورهائن فوراً.
في النهاية، الحقائق سوف تعلن عن نفسها أياً ما كانت حدة حروب الصور.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى