الصراعات تشل المنظمات الدولية وتشوِّه سمعتها
كتب محمد سعود يوسف البدر في صحيفة القبس.
تأسست منظمة الأمم المتحدة في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945، التي استمرت من 1939 – 1945، ومن قبلها الحرب العالمية الأولى من 1914 – 1918، وقد راح ضحيتها الملايين من البشر بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي ،آنذاك، وكان الهدف من إنشاء هذه المنظمة هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتلافي قيام مثل هذه الحروب في المستقبل وحل الصراعات والنزاعات بالطرق السلمية، كما تشكلت حركة عدم الانحياز من مجموعة من الدول لا تنتمي إلى هذين المعسكرين المتصارعين، بهدف الحياد الإيجابي وعدم الانحياز لأي منهما.
ويعتبر مجلس الأمن الدولي أعلى سلطة في منظمة الأمم المتحدة، ويضم خمسة عشر عضواً، منها خمس أعضاء دائمين، وعشرة غير دائمين، تتناوب عليه الدول الأعضاء بالمنظمة، والدول الدائمة في المجلس (الدول العظمى) هي: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية (الاتحاد السوفيتي)، آنذاك، والصين وبريطانيا وفرنسا.
وتملك هذه الدول وحدها حق الاعتراض (الفيتو) في مجلس الأمن، لإلغاء أي قرار تصدره المنظمة، ويكتفي بدولة واحدة تستعمل هذا الحق لبطلان أي قرار يصدر من الجمعية العامة، وكان استعمال هذا الحق في بداية نشأة المنظمة بهدف الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين بدعم القرارات الإيجابية والاعتراض على القرارات السلبية.
وقد نجحت المنظمة آنذاك بالفصل بين الدول المتصارعة، وردع الدول المعتدية في كثير من الحالات وحل المشاكل بين الدول بالطرق السلمية، ولكن في السنوات الأخيرة مع تقادم الزمن وتغير الظروف والعلاقات الدولية ونشوب كثير من الخلافات بين الدول الكبرى والنزاعات والصراعات والحروب الأهلية في بعض الدول وتضارب المصالح، فقد أصبح استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي العوبة في يد الدول الخمس الكبرى في المنظمة، وأصبحت المصالح الخاصة لهذه الدول والعناد والتحدي هي المعيار لاستخدام هذا الحق دون الالتفات إلى مصالح الدول الأخرى، وتعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، بل ساهم التعسف في استخدام هذا الحق، أخيراً، بتأجيج الصراعات ودعم الدول المعتدية، ومثال لذلك استخدام الولايات المتحدة الأمريكية من المعسكر الغربي لهذا الحق بالاعتراض على كل قرار يدعو لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب المدمرة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، ومثلها في الطرف الآخر في المعسكر الشرقي المتمثل في روسيا الاتحادية والصين بالاعتراض على كل قرار لا يخدم مصالحهما في الدول الأخرى كما يحصل في أوكرانيا مثلاً.
لذلك، ولما كان الأمر كذلك فإنه -باعتقادنا- وقد عجزت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وفشلها في تنفيذ قراراتها وتجاهل قوانينها ونظمها وفقد هيبتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ما أدى إلى تشويه سمعتها، فمن أجل ذلك يتوجب إعادة النظر في ميثاقها وأنظمتها وسلطة مجلس الأمن الدولي وزيادة أعضائه الذين يحق لهم استخدام حق النقض (الفيتو)، واتخاذ قراراته بالأغلبية، مثلا، لتحقيق التوازن والعدالة والمساواه في إشراك دول ومجموعات أخرى مؤثرة في العالم، وعدم احتكار الدول الكبرى الخمس الدائمة العضوية في المجلس لاتخاذ والبت في هذه القرارات لمصالحها الخاصة دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى، كما يحدث حالياً.
نتمنى أن تستعيد المنظمة الدولية هيبتها بميثاق وأنظمة جديدة وقوانين تتسم بالعدالة والمساواة بين جميع الأمم، من أجل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وردع المعتدين ووقف الصراعات والحروب الأهلية بما يتوافر لها من نفوذ وقوة كافية لحل المشاكل في عالمنا المعاصر.
والله الموفق،،