مجازر صانع السلام

كتب علي محمود في صحيفة الأهرام.
من يعرفون العقلية الاستعمارية الإسرائيلية التي تحركها دوافع دينية مزيفة لم يتفاجأوا بتراجع تل أبيب عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والعودة إلى حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.. إذ أن هذا الكيان المجرم لديه مخطط واضح يقوم بتنفيذه حرفيًا، ووجد في السابع من أكتوبر الذريعة التي تجعله يقوم بهذه الحرب الوحشية لتنفيذ هذا المخطط.. ولم تعد المشكلة في حماس ولا في السلطة الفلسطينية، بل في الشعب الفلسطيني كله الذي يجب ألا يكون موجودًا على هذه الأرض.. سواء بالتهجير أو بالقتل والتدمير.
إسرائيل ومن خلفها وعن يمينها ويسارها الولايات المتحدة تقوم بعمليات تسعى من خلالها لضم كامل الأرض الفلسطينية في غزة، بل والضفة الغربية أيضًا، وقتل أو تهجير السكان، وهي الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع إجراء بعض التعديلات عليها، وتقضي بفتح باب الهجرة الطوعية للسكان من غزة، ومن يرفض لن يجد الماء ولا الدواء ولا مكان إيواء، بل سيموت بالقصف المستمر برًا وبحرًا وجوًا.
فقد بدأ هذا الكيان المجرم مخططه المعلن عمليًا على الأرض بتأسيس هيئة حكومية تتولى تهجير الفلسطينيين من غزة. وذلك بالتزامن مع تصاعد العمليات العسكرية وإجبار السكان على النزوح من خيامهم ومنازلهم المدمرة وضم الأراضي وعسكرتها، إذ أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي المتطرف أنه سيتم مصادرة أجزاء من أراضي القطاع في كل يوم يمر دون إطلاق الأسرى لدى حماس.
لقد نجحت إسرائيل بأموال المتبرعين اليهود في أمريكا أن تشتري الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب الذي عاد للبيت الأبيض هذه المرة زاعمًا أنه يحمل أغصان الزيتون، ومبشرًا بإحلال السلام في العالم عبر إخماد الحروب، والبداية كما قال بوقف الحرب على غزة، إلا أن ضغوط اللوبي اليهودي وسقوطه في أيدي هذا اللوبي هو وكل إدارته جعل منه ظاهرة صوتية يقول ولا يفعل، وكل ما استطاع فعله هو وقف الحرب عدة أسابيع، وبعد ذلك تراجع عن كل وعوده، بل بات أداة في يد إسرائيل وسلاحًا فتاكًا توجهه حيث تريد ووقتما تشاء.
أمريكا – ترامب أصبحت اليوم هي الخطر الأكبر الذي يهدد السلم العالمي، ومنذ دخول ترامب قبل شهرين لم يصدر عن ترامب سوى ما يهدد العالم اقتصاديًا وسياسيًا؛ ما بين رسوم جمركية تعصف بآليات التجارة، وتهديد باحتلال أراضٍ، وضم دول، وتغيير خرائط، وسحب تمويلات، وتهديد منظمات دولية، وتصنيع أسلحة فتاكة، وابتزاز الدول بدفع الأموال.. وكل ذلك تحت شعار رفعه ترامب يقول “السلام بالقوة”، وهو مصطلح مغلوط ظاهره الرحمة وباطنه الابتزاز.
أمريكا – ترامب هي التي زودت إسرائيل بالأسلحة الفتاكة التي تضرب بها قطاع غزة منذ استئناف الحرب، وهي التي تعارض أي تحرك دولي ضد جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، بل إنها تقوم بفصل الطلاب الدارسين بجامعاتها لو تعاطفوا مع الشعب الفلسطيني.
المؤكد أننا أمام مخطط إجرامي لن يكفيه ضم غزة، بل ما يتم تسريبه وما تقوم به إسرائيل من عربدة في سوريا ولبنان واليمن، وما تعتزم القيام به ضد إيران يؤكد ملامح هذا المخطط، الذي يهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة، ومنح إسرائيل المزيد من الأراضي التي تجعل منها دولة استعمارية تفرض سطوتها بقوة السلاح الأمريكي.
لقد سقط القناع عن وجه ترامب، وتحولت أغصان الزيتون المزعومة في يده إلى أسلحة فتاكة ضد العرب، وتبدلت صناعة السلام التي بشر بها إلى مجازر وحمامات دم ومحارق ضد شعب أعزل، كل جريمته أنه يتمسك بأرضه التي ولد عليها قبل أن تولد أمريكا وإسرائيل.