رأي

سياسة حافة الهاوية تهدد التصنيف الائتماني للولايات المتحدة

أزمة القوى العاملة تهدد الاقتصاد الأمريكي وتجعل الولايات المتحدة تفقد آخر تصنيف ائتماني مثالي لها. نوا يوسف – Newsweek

فقدت الولايات المتحدة آخر تصنيف ائتماني مثالي متبق لها في وقت سابق من هذا الشهر، بعد أن قررت وكالة موديز تخفيض تصنيف الدين الأمريكي من AAA إلى AA1. وتاريخياً، لم يكن لهذه التخفيضات، التي أقرتها ستاندرد آند بورز أولاً عام 2011، ثم فيتش عام 2023، تأثير ملموس على الاقتصاد الأمريكي نظراً لحجمه والطلب العالمي على سندات الخزانة. ومع ذلك، فإنها تُعدّ بمثابة منبه للأسواق المالية، إذ تُسلّط الضوء على القضايا التي قد تؤثر على الاقتصاد الأمريكي وعلى زيادة الاستثمار فيه.

وأشارت ستاندرد آند بورز وفيتش، في وصفهما لأسباب تخفيض تصنيفيهما، إلى “سياسة حافة الهاوية” في الولايات المتحدة، والتي اتخذت شكل “مواجهات سياسية متكررة حول سقف الدين وقرارات اللحظة الأخيرة”. ولكن مبرر وكالة موديز كان مختلفاً. فبدلاً من التركيز على السياسة، أشارت إلى حقيقتين غير حزبيتين وهما ارتفاع الإنفاق على الاستحقاقات وانخفاض الإيرادات الحكومية لتمويلها.

في الواقع تواجه الولايات المتحدة نقصاً متزايداً في عدد الوافدين الجدد إلى سوق العمل القادرين على تعويض المتقاعدين. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، خفّض مكتب إحصاءات العمل الأمريكي توقعاته بشأن نمو إجمالي الوظائف، مشيراً إلى شيخوخة السكان الأمريكيين وتراجع مشاركة القوى العاملة.

وتوقعت دراسة أجرتها شركة لايتكاست أن يتجاوز نمو السكان في الولايات المتحدة نمو القوى العاملة بنسبة ثمانية إلى واحد في عام 2032. وهذا يعني أنه سيكون هناك طلب متزايد على البرامج الحكومية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ولكن سيكون هناك عدد أقل من العمال لتمويلها.

لقد ألحقت هذه الاتجاهات أضراراً بالغة بدول أخرى. فعلى سبيل المثال، كان لدى فرنسا 2.1 عامل يدفعون اشتراكات في نظام التقاعد مقابل كل متقاعد في عام 2000. وفي عام 2023، لم يكن هناك سوى 1.2 عامل يدعمون كل متقاعد. وعندما حاولت الحكومة تغيير الوضع الراهن غير المستدام برفع سن التقاعد، أثار ذلك احتجاجات شديدة في جميع أنحاء البلاد.

ولا تواجه فرنسا هذه الصعوبات الشديدة وحدها. فبين عامي 2000 و2022، انخفضت نسبة العمال إلى المتقاعدين في أوروبا من 4.9 إلى 2.9. وفي الصين واليابان، أدت شيخوخة السكان، إلى جانب تقلص القوى العاملة، إلى انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي خلال العقد الماضي، مما أجبر الدولتين على إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي.

وعلى عكس نظيراتها، لم تعالج الولايات المتحدة هذه القضايا بشكل جاد بسبب شللها السياسي. ويُعد إصلاح نظام الاستحقاقات من خلال إصلاح الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وزيادة مشاركة القوى العاملة من خلال تغيير سياسة الهجرة، وحتى تحفيز الشركات على توظيف المزيد من العمال من خلال تحديث قانون الضرائب، مهاماً شبه مستحيلة بالنسبة لكونغرس يعاني من الجمود الحزبي. فقد أُصلح الكونغرس الضمان الاجتماعي آخر مرة عام 1983، وعدّل سياسة الهجرة آخر مرة عام 1986، وحدّث قانون الضرائب آخر مرة عام 2017.

وبما أن الحكومة الفيدرالية من غير المرجح أن تعالج النقص في العمال اللازمين لدعم الطلب المتزايد على الاستحقاقات، فليس من المستغرب أن يتراجع التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.

لكن هناك فرصاً كثيرة للتحسين. واعتباراً من أبريل 2025، كان 7.2 مليون أمريكي خارج القوى العاملة لكنهم يرغبون في العمل، بينما 10.7% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً غير ملتحقين ببرامج عمل أو تعليم أو تدريب. وكثير منهم لا يمتلكون المهارات أو التدريب الذي يبحث عنه أصحاب العمل، بينما لدى آخرين نظرة ضيقة للوظائف التي تتناسب مع خلفياتهم واهتماماتهم.

وللحد من نقص العمالة في الولايات المتحدة، يمكننا البدء بالتواصل مع هذه الفئة الساخطة من العمال من خلال برامج تطوير القوى العاملة، وخاصة تلك التي تشمل التلمذة الصناعية، والتي تُعرّف الشباب على المهن التي يمكنهم السعي إليها والمهارات التي يجب عليهم تطويرها لكسب عيش كريم.

لا تتمتع تنمية القوى العاملة بنفس المكانة السياسية التي تتمتع بها معالجة الاستحقاقات، أو سياسة الهجرة، أو قانون الضرائب. كما أنها ليست حلاً شاملاً لمعالجة الخلل المالي الكبير في الولايات المتحدة، لكنها خطوة فعّالة وقابلة للتحقيق نحو استيعاب الطلب المتزايد على الاستحقاقات من خلال تعظيم عدد دافعي الضرائب لتمويلها.

ومن خلال ضمان قدرة كل عامل على المشاركة بفعالية في هذا الاقتصاد، يمكن للولايات المتحدة أن تثبت قدرتها على المضي قدماً في الخطوات الأصعب المقبلة لتصحيح عجزها المالي.

المصدر: Newsweek

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى