سلطة دينية – علمانية متطرفة ضد الدولة والديمقراطية والتسوية
كتب الصحافي رفيق خوري في “اندبندنت عربية”:
“هذا هو المسار الحتمي لدول قامت على أساطير دينية، ولو حكمها في البدء علمانيون”.
قدر إسرائيل كان حتمية تاريخية منذ خيار الحركة الصهيونية إقامة دولة للشعب اليهودي. دولة “غربية” في الشرق على أرض شعب آخر وحسابه. دولة ليهود أوروبا “الأشكناز” يخدمهم اليهود الشرقيون “السفارديم”. بن غوريون وضع المتشددين “الحريديم” على الهامش. كان عددهم قليلاً، ويرفضون التجنيد في الجيش. اليوم، يتسلطون على الدولة، مع أنهم لم يصيروا أكثرية. فهم باتوا يشكلون 10 في المئة من السكان البالغ عددهم، بحسب دائرة الإحصاء المركزية 9.593 مليون شخص، 75 في المئة يهود، و19 في المئة مسلمون عرب، والبقية مسيحيون عرب ومواطنون بلا انتماءات. 45 في المئة منهم علمانيون، و35 في المئة متدينون، و19 في المئة تقليديون، لكن ما يساعد “الحريديم” عاملان: أولهما تنامي اليمين العلماني المتطرف والديني المتطرف جداً، وثانيهما وجود رئيس حكومة أدمن السلطة يعيد الناخبون منح حزبه “الليكود” الرقم الأكبر من الأصوات بين الأحزاب في كل انتخابات. وهو، أي بنيامين نتنياهو، خاضع للمحاكمة بتهم الفساد وتلقي الرشى وخيانة الأمانة، بحيث بدا مستعداً لفعل أي شيء من أجل إنقاذ رأسه من المحاكمة والسجن ونهاية حياته السياسية.
نتنياهو اتفق مع تلاميذ الحاخام كاهانا المنبوذ، زعيم “الصهيونية اليهودية” بتسلئيل سموتريتش وزعيم “العظمة اليهودية” إيتمار بن غفير، ومعهما زعماء “شاس” و”نوعام”، على تأليف حكومة كان ثمنها كبيراً على إسرائيل: إقرار قوانين تحد من السلطة القضائية، وتسمح بتوزير وزير محكوم، وتخول وزير الأمن الداخلي بن غفير تحديد سياسة الشرطة، وتعين وزير المال سموتريتش الذي دعا إلى “محو حوارة” التي هاجمها المستوطنون، وزيراً مستقلاً في وزارة الدفاع يسيطر على الإدارة المدنية المسؤولة عن حياة الفلسطينيين، ولا يتراجع وهو يرى مئات الآلاف يتظاهرون كل سبت ويملأون الساحات دفاعاً عن المحكمة العليا والديمقراطية، يتقدمهم جنرالات وضباط أمن سابقون وأعضاء احتياطيون في الجيش بكل أسلحته وأكاديميون ومؤرخون. فما كان استثناءً في عام 1977، وهو حكم اليمين بزعامة مناحم بيغن، ثم شارون، ثم نتنياهو، صار القاعدة. والاستثناء صار حكم اليسار والوسط. أما حزب العمل الذي أسس إسرائيل، فإنه يكاد ينقرض.
وهذا هو المسار الحتمي لدول قامت على أساطير دينية، ولو حكمها في البدء علمانيون. فالأحزاب هي “قبائل يهودية”. والصراع الحالي هو صراع السلطة مع الدولة والديمقراطية. الدولة التي تضبط توازنها المحكمة العليا. والديمقراطية بين اليهود، والتي تحافظ عليها الدولة العميقة. وهو أيضاً صراع مع الشعب الفلسطيني بشكل خاص، والعرب بشكل عام، وأخيراً مع إيران. نتنياهو وزملاؤه يرفضون التسوية مع الفلسطينيين ضمن “حل الدولتين”، ولا يصغون إلى تحذير معهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب في تقريره السنوي من أن “اللاتسوية تعني حل الدولة الواحدة، ونهاية إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية”. فهم يعرفون أن ما يفعلونه يقود عملياً إلى نهاية العامل الديمقراطي في الدولة اليهودية.
نتنياهو وزمرته يعملون ضمن “مبدأ أشكول” الذي خلاصته قول رئيس الحكومة ليفي أشكول لوفد من الجمعيات طالبه بتحقيق وعده الانتخابي حول زيادة الدعم للسلع الاستهلاكية الأساسية، “نعم، لقد وعدت، لكني لم أتعهد الإيفاء بالوعد”. وهم يسمعون رئيس الدولة إسحاق هرتزوغ يحذر من الانقسام العميق، وكون البلاد “على شفير انهيار دستوري واجتماعي”، من دون رد فعل سوى الإصرار على برنامجهم. ونتنياهو لا يرد على سؤال مطروح في الشارع، “كيف يمكنك محاربة إيران، وأنت تقود معركة داخلية للانقلاب على منظومة الحكم والجهاز القضائي، وتمنع أي تسوية مع الفلسطينيين، وترى مئات الآلاف يتظاهرون ضدك؟”. البروفيسور آفي شلايم على حق في القول إن “الصهيونية صارت العدو الحقيقي لليهود”. وكذلك المؤرخ اليهودي طوني جوت الذي عمل في شبابه في “كيبوتز”، وتطوع في الجيش لمحاربة العرب في عام 1967، ثم قال بعد أن رأى الحقائق إن “إسرائيل مغالطة تاريخية، دولة من قرن مضى”. والحرب الأهلية لم تعد مجرد خيال.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا