رأي

رون ديرمر.. يد نتنياهو الخفية!

كتب عبد القادر بدوى, في “الشروق”:

«لقد كان نتنياهو يُدير كابينيت الحرب بدكتاتورية، وهو لا يستمع إلّا للوزير ديرمر»، هكذا علّق عضو كابينيت الحرب السابق غادى آيزنكوت عن «المعسكر الرسمى» على طريقة إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لكابينيت الحرب فى مقابلة أجراها مع إذاعة «ريشت بيت». تنضم هذه التصريحات لجملة طويلة من التصريحات الناقدة لسلوك نتنياهو فى إدارة الحرب التى اتهمته بتعطيل الصفقة والسعى لإطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنة. قد تبدو هذه التصريحات مشابهة لسابقاتها الناقدة لنتنياهو، لكنها فى الحقيقة تُثير تساؤلات حول شخصية وزير الشئون الاستراتيجية رون ديرمر الذى يبرز دوره فى كثير من المحطات، حيث يعتمد عليه نتنياهو فى الكثير من الأزمات من أهمها العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك تساؤلات حول تاريخه السياسى وأهم الأدوار التى قام بها فى إسرائيل، وذلك فى إطار محاولة فهم النفوذ والدور الكبيرين اللذين يتمتّع بهما.

  • • •
    ولد الوزير ديرمر لعائلة يهودية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تلقّى تعليمه فى الجامعات الأمريكية والبريطانية المرموقة. ينحدر ديرمر من عائلة يهودية هاجرت من بولندا إلى الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وقد عُرف عن عائلته قربها من الحزب الجمهورى، وصلتها الوثيقة بشقيق الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش حاكم ولاية فلوريدا عن الحزب الجمهورى، كذلك شغل والده وشقيقه منصب رئيس بلدية مدينة ميامى بيتش عن الحزب الديمقراطى قبل الانزياح نحو الحزب الجمهورى لاحقًا. وفى ظل هذه العائلة ترعرع ديرمر الذى تقلّد مع الوقت مناصب رفيعة فى جمعيات ومؤسسات يهودية ــ أرثوذكسية فى الولايات المتحدة.
    هاجر ديرمر إلى إسرائيل فى العام 1997، ولعب فى الدورى الإسرائيلى لكرة القدم. بدأ اسمه يظهر فى العام 2001، حينما بدأ بكتابة عمود بشكل دورى فى صحيفة «جيروزاليم بوست»، وذلك بعد أن سمعت الصحيفة عن إمكانياته وإشرافه على كتابة الخطابات لعضو الكنيست نتان شيرانسكى الذى عمل مستشارًا له منذ العام 1995. وقد صدر له فى العام 2004 كتاب بعنوان ميزة الديمقراطية (صدر الكتاب باللغة الإنجليزية ومن ثم ترجم إلى العبرية)، وقد انتشر الكتاب حول العالم بشكل كبير نتيجة تبنّى الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن له وللأفكار الواردة فيه، بل ودعى الجميع لقراءته، مما عزّز من مكانة ديرمر كيهودى جمهورى فى الولايات المتحدة. ظلّ ديرمر مستشارا لشيرانسكى (عن حزب يسرائيل بعلياه) حتى رحيل حكومة إيهود باراك فى العام 2000، خلال هذه الفترة، تعرّف ديرمر على نتنياهو وأصبح أحد الذين يكتبون خطاباته، وأصبح مستشارًا استراتيجيًا له فى العام 2003 حينما كان يشغل منصب وزير المالية فى حكومة أريئيل شارون، وبعد العام (2004) عيّنه نتنياهو مُلحقًا اقتصاديًا لإسرائيل فى واشنطن حتى العام 2008، واضطر لأجل ذلك للتنازل عن جنسيته الأمريكية والاحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية.
    فى العام 2009، ومع عودة نتنياهو لسدّة الحكم، اختاره الأخير ليكون أحد كبار مستشاريه حيث كان أحد أهم مستشارى حملته الانتخابية، وأوكلت إليه رئاسة قسم الإعلام فى مكتب نتنياهو، وكان مسئولا عن «صياغة الخطابات والرسائل»الإعلامية لرئيس الوزراء وخاصة فى المجالين السياسى والأمنى، وكذلك مسئولا عن قسم «الهسباراه» فى مكتب رئيس الحكومة.
    فى العام 2013، تم تعيين ديرمر سفيرا لإسرائيل فى الولايات المتحدة وظلّ فى هذا المنصب حتى العام 2021، وخلال هذه المدّة عمل ديرمر المعروف بأنه الشخص المقرّب جدًا من نتنياهو على إقناع الشركات الكبرى والدول كذلك بوقف التعامل مع إيران وسحب الاستثمارات أو أى شكل للعلاقة الاقتصادية مع إيران.
  • • •
    مع وصول الإدارة الجمهورية الأخيرة للبيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب، عمل ديرمر من خلال شبكة علاقاته المتشعّبة، وتحديدا فى أوساط الجمهوريين الذين يربطه بهم تاريخ يمتد لشقيقه ووالده على الدفع قدمًا بمشروع تطبيع علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية، بما فى ذلك دول الخليج، بالتعاون مع طاقم البيت الأبيض، إلى الدرجة التى وصفه البعض بأنه مهندس هذا المشروع الفعلى. خلال هذه الفترة، نقل موقع «واللا» العبرى أن نتنياهو قال لأحد المقرّبين منه أنه يرى فى رون ديرمر ورئيس الموساد السابق، يوسى كوهين، الشخصين المناسبين لقيادة إسرائيل وليس شخصية من حزب الليكود.
    خلال هذه الفترة، برز دور ديرمر أيضا فى وسائل الإعلام بعد أن استطاع عقد صفقة بين إسرائيل وشركة فايزر للأدوية، بموجب هذه الصفقة، وفّرت الشركة ملايين اللقاحات للشعب الإسرائيلى ضد وباء كورونا، وقد عبّر حينها رئيس شركة فايزر عن شكره لديرمر الذى استطاع أن يصنع هذا الإنجاز. يتضح الدور الكبير لديرمر فى علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة من كونه شغل هذا المنصب سنوات طويلة خلافًا لما هو معمول به فى السلك الدبلوماسى لإسرائيل، ويظهر من تصريحات الجاسوس الإسرائيلى جونتان بولارد أن ديرمر كان من بين أولئك الذين ساعدوا فى الإفراج عنه من السجون الأمريكية.
  • • •
    منذ 7 أكتوبر، ومع تشكيل حكومة «طوارئ قومية» ودخول أعضاء «المعسكر الرسمى» إلى الائتلاف الحكومى، تم تشكيل «كابينيت الحرب» فى إسرائيل الذى أوكلت إليه مهام اتخاذ القرارات العسكرية والسياسية المتعلقة بإدارة الحرب، وقد عيّن نتنياهو حينها ديرمر كعضو مراقب فى المجلس الذى ضم 5 شخصيات فقط: نتنياهو، يوآف جالانت، بينى جانتس، آيزنكوت وديرمر. يُستدّل من هذا التعيين وأمور أخرى كثيرة حجم الثقة التى يوكلها إليه نتنياهو، الذى قام بإرساله إلى الولايات المتحدة فى أكثر من مرة (منها برفقة جالانت) وتحديدا فترات التوتر فى العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية قبيل الهجوم العسكرى الإسرائيلى على رفح، وكذلك خلال الحديث عن تعليق بعض شحنات الدعم العسكرى لإسرائيل، حيث يعمل ديرمر كضابط لإيقاع العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأمريكية وشخوصها الذين هم على علاقة قوية بديرمر.
  • • •
    إن الثقة التى يمنحها نتنياهو إلى ديرمر إلى حد اعتباره واحدًا من شخصيتين يُمكن إسناد مهمة قيادة إسرائيل إليهما، تُظهر حجم نفوذ ديرمر فى اتخاذ القرارات، وتحديدا خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، ومشاركته فى الكابينيت الحربى قبل تفكيكه وخروج جانتس وآيزنكوت الذى عبّر ــ كما أشرنا فى البداية ــ عن هذا النفوذ بالقول إن نتنياهو لا يستمع سوى لديرمر خلال اتخاذ القرارات. يُمكن القول، أن نتنياهو يرى فى ديرمر (نتنياهو المقبل) وهو يؤمن بأفكاره خصوصًا تلك التى أوردها ديرمر فى كتابه، وتحديدا فى ما يتعلّق بـ «الخطر الإيرانى»، الاستيطان اليهودى، وضرورة «تعديل المناهج الفلسطينية» وغيرها من الأفكار التى يُركّز عليها نتنياهو منذ سنوات طويلة.
    وعلى الرغم من كون ديرمر شخصية لا تعنى الكثير بالنسبة لليهود فى إسرائيل، إلّا أنها تمثل قصة نجاح بالنسبة ليهود أمريكا وتحديدًا فى فلوريدا الذين يشكّلون داعما أساسيا له، وهو الأمر الذى انعكس فى تدرّجه اللافت فى المناصب الحكومية الهامة والثقة العالية التى يمنحها له نتنياهو.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى