صدى المجتمع

المروحة… قصة “اختراع الهواء”

دفع الحر الشديد الإنسان منذ القدم إلى التفكير باختراع يخفف عنه معاناة ارتفاع درجات الحرارة فكانت الحاجة هي أم الاختراع كما يقولون، وعندما ظهرت المروحة التي يرجع تاريخها إلى نحو 500 عام قبل الميلاد، لم تكن بالشكل الذي نراه اليوم، فقد عرفت تطورات شتى ومرت بمراحل عدة إلى أن اتخذت شكلها الحالي المتطور.

أتت المروحة كحل لتلطيف الأجواء ولو بمعدل بسيط، لكنها استخدمت أولاً للتخفف من أثر الحر في الأغنياء والطبقة العليا إلى أن أصبحت لاحقاً أكثر شعبية وانتشاراً في مختلف الطبقات الاجتماعية. فلمن يعود الفضل في هذا الاختراع الذي أصبح الآن جهازاً منزلياً لا غنى عنه لتأمين أجواء مريحة في أيام الحر على رغم توافر المكيفات منذ عام 1902؟

من الطبيعة

تبدو المروحة اليوم كأنها اختراع استثنائي، لكنها في الواقع وجدت منذ العصور القديمة بأشكال مختلفة قبل أن تشهد التطورات الأخيرة في العصر الصناعي وتتزين بأشكال وأكسسورات وألوان مختلفة لمواكبة التطور.

في عصور ما قبل الميلاد ظهرت المروحة بنسختها الأولى مع المصريين القدماء الذين استخدموا أوراق اللوتس أو أوراق البردي كحل لتلطيف الأجواء، فيما استخدم الإغريق والرومان ريش الطاووس كمروحة. أما في الهند، فصنعت من سعف النخيل.

كانت التهوئة تحصل يدوياً واستعان المصريون القدماء بالعبيد لهذه الغاية عند استخدامهم لأوراق اللوتس، وبشكل عام ارتبطت المروحة في نشأتها بعالم الطبيعة، إذ صنعت من مواد مستخرجة منها كالبردي والقصب والسعف وأوراق النبات المجففة وريش الطيور كالطاووس والنعامة.

وعلى رغم أن هذه الحلول بدت مناسبة في تلك العصور كطرق تهوئة، فإن تغييراً مهماً حصل في شكل المروحة الورقية التي عرفت لاحقاً في القرن الثامن الميلادي، وعندها اخترع اليابانيون المروحة القابلة للطي التي استوحيت من الخفافيش ومن طريقتها في طي أجنحتها.

في القرن الـ14 الميلادي ظهرت المروحة المحمولة الصينية الشهيرة مع سلالة مينغ فحققت بعدها انتشاراً واسعاً في أوروبا، لكن في مرحلة أولى كانت تلك المروحة حكراً على الأغنياء الذين اعتمدوها بكثرة لتلطيف الأجواء في المناسبات، فأصبحت رمزاً لمكانة النبلاء والملوك وسمة من سماتهم.

وفي مرحلة من المراحل لم تقتصر أهمية المروحة على الحد من أعباء الحر الشديد، إذ استخدمتها سيدات المجتمع كمصدر للجاذبية ووسيلة لإغواء الرجل لما لها من أثر في نفسه وكأنها تميزت بلغة ساحرة تأسر القلوب.

لم تكن المروحة القابلة للطي متاحة بعد في تلك الحقبة للفقراء، لكنها سرعان ما اكتسبت شعبية كبيرة في أوروبا وانتشرت على نطاق أوسع بفضل التجار الأوروبيين في القرن الـ17 ومع بداية القرن الـ18.

رمز لثقافة البلاد

يطلق على المروحة اسم “المهفة” في دول عربية كالعراق، ولها قاعدة طويلة يمسك بها المستخدم ويصنعها القرويون بعد تقطيع ورق السعف بشكل أشرطة رفيعة تحاك مع بعضها بعضاً لتصبح بشكل مستطيل أو مربع، ثم تلون أو تزين بالنقوش، وتعرف في سوريا والأردن بـ”الهواية”، وفي الصعيد المصري بـ”الهفافة” وتصنع من سعف النخيل، وفي الكويت تعرف باسم “رهطة”.

بقيت المروحة البدائية تشكل تراثاً لكثير من البلاد العربية، لذلك تمسكت بها شعوب كثيرة على رغم ظهور الوسائل الحديثة للتهوئة، مع الإشارة إلى أن المروحة اليدوية اختلفت في الشكل بين الرجل والمرأة في هذه المجتمعات.

توافرت هذه المروحة اليدوية بنوعيات اختلفت بحسب الدول والحضارات، بين تلك المصنوعة من ريش النعام وتلك المصنوعة من الجلد أو الورق أو القماش أو غيرها من المواد التي عكست أحياناً ثقافة البلد المعني. وأصبحت المروحة أحياناً جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البلاد كما في إسبانيا، حيث باتت من الأكسسوارات التي تعكس ثقافة الماضي وكذلك في الصين، وفي كثير من الأحيان تخطت كونها وسيلة للتهوئة والحد من أعباء الحر وبدت أشبه بسجل تاريخي عندما تزينت برسوم لأحداث تاريخية أو رموز خاصة بالبلد، كما أنها عكست بألوانها التراث الفني للشعوب.

لا غنى عنها

مما لا شك فيه أن التطور الأهم في المروحة كوسيلة تهوئة حصل في القرن الـ19، فبعد توافر التهوئة اليدوية في العصور القديمة برز اختراع المروحة الكهربائية التي اكتسبت أهمية كبرى بين الأجهزة المنزلية في مواجهة الحر الشديد وأصبحت من الأجهزة التي يصعب الاستغناء عنها لدى ارتفاع درجات الحرارة.

ظهر هذا الاختراع المهم أولاً عام 1882 على يد المهندس الأميركي شويلر سكاتس ويلر الذي ابتكر مروحة كهربائية تعمل بشفرتين قبل أن تشهد تغييرات وتطورات أخرى من حيث الشكل والإمكانات، وحصل ويلر عندها على وسام من معهد “فرانكلين” عام 1904 تقديراً لاختراعه هذا.

بعد أن اخترع ويلر المروحة الكهربائية ذات الشفرتين ابتكر فيليب ديهيل أول مروحة كهربائية يمكن تثبيتها في السقف، وكان لها أربع شفرات وتمنح مزيداً من الهواء المنعش في مختلف أرجاء المكان، وفي الوقت نفسه تميزت بأنها لا تتطلب مساحة كبيرة في المنزل ولا تعرض الأطفال لأي خطر.

تجدر الإشارة إلى أن انتشار هذا النوع من المراوح تزايد بشكل خاص خلال الحرب العالمية الأولى، وهذه التطورات حصلت في المروحة الكهربائية قبل اختراع المكيف عام 1902، واستمرت في تحقيق الانتشار بالمنازل وزينت بلمسات خاصة حتى أصبحت إضافة جميلة في ديكور المنزل، خصوصاً بعد تثبيت الإضاءة بالمروحة المعلقة في السقف.

مع الانتشار الكبير الذي حققته المروحة الكهربائية المتحركة وبعدما أصبحت متوافرة في جميع المنازل، باتت الشركات تتنافس لطرح مختلف الأشكال منها في الأسواق، كتلك المزودة بـ”ستاند” لنقلها من مكان إلى آخر، وأصبحت المروحة الحديثة قادرة على الدوران لتأمين الهواء المنعش.

عام 2012 أعلنت إحدى الشركات البريطانية المتخصصة في صناعة الأجهزة الكهربائية عن ابتكار مروحة من دون شفرات، هي مروحة تعتمد على تقنية تضخيم الهواء ودفعه بانسيابية وبشكل منظم من خلال إطار دائري أجوف.

وكان مؤسس الشركة أعلن أن المراوح التقليدية المتوافرة تشق الهواء وتدفعه بشكل متقطع ومزعج، إضافة إلى صعوبة تنظيفها، كما أن المراوح التقليدية المزودة بشفرات شكلت دوماً خطراً على الأطفال الذين يندفعون لإدخال أياديهم عبر الشبك. ولأن الابتكار الجديد غير مزود بشفرات فإنه يمنع تلويث الهواء الداخل أو الخارج من المروحة، ومن أهم مميزات المروحة الجديدة عدم إصدار ضوضاء كما في المراوح والمكيفات التقليدية بما يسمح بتوفير الأجواء الهادئة والمريحة والمنعشة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى