السلام «البارد» بين الصين واليابان

كتب الحسين الزاوي, في الخليج:
تشهد العلاقات بين بكين وطوكيو مزيداً من التوتر لأسباب جيوسياسية متعددة نتيجة الصراع الإقليمي على النفوذ، وتخوف جيران الصين من تنامي قوتها العسكرية بالشكل الذي يؤثر في التوازنات الهشة في شرق آسيا، وقد بدأت العلاقات بين الصين واليابان في التراجع نتيجة التصريحات التي أدلت بها رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بشأن ما أسمته بالحق المشترك في الدفاع عن النفس مع تايوان، الأمر الذي اعتبرته الخارجية الصينية اعتداءً على السيادة الصينية، وقامت باستدعاء السفير الياباني لتبليغه احتجاج بكين على تصريحات تتعلق بتايوان التي تعتبرها إقليماً يتمتع بالحكم الذاتي في إطار السيادة الكاملة لجمهورية الصين الشعبية.
وأسهم حادث الرادار الذي استهدف طائرات تابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية من قبل طائرات عسكرية صينية في يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول 2025، في خلق أجواء من عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة لاسيما في المحيطين الهندي والهادي، لذلك فقد اتفق وزيرا الدفاع الأمريكي والياباني في مكالمة هاتفية أجرياها يوم الجمعة 12 ديسمبر على أهمية المحافظة على السلام، وأكدا أن تصرفات الصين الأخيرة لا تساعد في تحقيق ما وصفاه بالسلام الإقليمي، وأعربا عن قلقهما من أي إجراءات من شأنها أن تفضي إلى تصعيد التوتر في هذه المنطقة، التي تحمل أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة لكل الدول العظمى المتنافسة على الريادة الاقتصادية والهيمنة العسكرية.
ويتحدث، في هذا السياق، بعض المحللين الغربيين عمّا يسمونه «نظرية البطة المشوية» التي تمثل تقليداً استراتيجياً صينياً يهدد سيادة جيرانها وفي مقدمتهم اليابان، حيث تجد طوكيو نفسها في مواجهة هجوم صيني مبني على اختبار جيوسياسي بالغ الأهمية. يذهب ستيفان ناجي إلى أن الاستراتيجية الصينية القديمة تاريخياً، تهدف إلى إضعاف السيادة اليابانية وإعادة تشكيل النظام الإقليمي القائم بناءً على ترتيبات تخدم طموحات بكين.
ومثلت كل هذه التحركات الصينية، في رأي المراقبين الغربيين، تجليات لحرب هجينة ممنهجة موجهة ضد طوكيو، ومن ثم فإن الأمر لا يتعلق بسلوك عشوائي وغير منسّق ولكن بعملية محسوبة تعمل على تحويل اليابان إلى «بطة مشوية» مقسمة إلى أجزاء بسيطة يسهل استهلاكها.
يرى أوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الأسبق أن اليابان وعلى الرغم من احتفاظها بمرتبتها المتقدمة على مستوى الاقتصاد العالمي إلا أنها غير قادرة على تثبيت موقعها بسبب التحديات التي تواجهها والتي من أبرزها انخفاض نسبة المواليد وازدياد معدل الشيخوخة في المجتمع بشكل مقلق، وهي تعتمد بشكل كبير على الحماية الأمريكية من أجل الدفاع عن أمنها القومي، وعليه فإن مشاكل طوكيو التاريخية تؤثر في علاقتها مع الصين وعلى علاقاتها بجيرانها أيضاً، بسبب ماضيها الاستعماري، ومن الصعب أن نتصوّر انخراط شعوب المنطقة في استراتيجية دفاع مشترك بعيداً عن التدخل الأمريكي.
وفي مقابل هذه الوضعية الهشة التي تعرفها اليابان، نجد أن العالم الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة وحلفاؤها في شرق آسيا، يطرح أسئلة جدية بشأن مآلات القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية المتصاعدة، التي يجمع المراقبون أنها قوة لبسط النفوذ وليس للهيمنة أو لفرض النموذج الصيني على الآخرين، حيث تندرج تحركات الصين في مجملها في سياق تأمين مصالحها وتنفيذاً لنظرية «البطة المشوية» التي تهدف ليس فقط لردّ الاعتبار في مواجهة حيف تاريخي ولكن للاستفادة من الأجزاء المفيدة والطرية للبطة وترك هيكلها للآخرين، لأن الإمبراطورية الصينية قامت منذ قرون على جلب ما ينقصها من الغير، وتحويل ما يفيض عن حاجياتها إليهم.
أما سلام بكين مع طوكيو فسيظل «بارداً»، ليس للأسباب التي يذكرها المراقبون في الغرب ولكن لأن الذاكرة الجمعية للشعب الصيني لا يمكنها أن تقبل بعودة طوكيو إلى التصالح مع عقيدتها العسكرية التوسعية في المنطقة، لأن هذه العقيدة تعتبر تهديداً للسلم العالمي برمته وبخاصة أن الدب الروسي لم يُصفِّ كل تركة الحرب العالمية الثانية مع اليابان.




