كتب محمد مفتي في صحيفة عكاظ.
عقب اندلاع أحداث 7 أكتوبر أبدت «بعض» الدول الغربية تعاطفاً مع حكومة إسرائيل، وقد نددت تلك الدول بمقتل المدنيين واختطافهم وهو ما شجّع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لأن ينتهز تلك الفرصة لرفع شعبيته التي تهاوت كثيراً قبل تلك الأحداث، حيث سارع لإقناع أعضاء حكومته بأن إسرائيل لن تكون وحدها، بل ستقف معها العديد من القوى العالمية التي ستدعمها حتى يتم استرجاع الرهائن سالمين، متناسياً أن إسرائيل طالما أعلنت الحرب على الفلسطينيين وحتى قبل السابع من أكتوبر بسنين طويلة.
رد الفعل الإسرائيلي الذي ناهز الشهر تجاوز كل الخطوط الحمراء، فقد صبت حكومة الحرب جام غضبها على كل من وما في القطاع من بشر وحجر بشكل أحرج حتى مؤيديها في الداخل والخارج، كما أن التصريحات التي أعلنها زعماء الدول الغربية التي تعاطفت مع إسرائيل أوقعتها في حرج أمام شعوبها، وهو ما أدى إلى انتفاضة شعبية في العديد من تلك الدول التي اتهمت قادتها بأنهم متواطؤن في الحرب ضد سكان غزة، فالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا أعلنت بعد الأحداث أن إسرائيل لها الحق -وفقاً للقانون الدولي- في الدفاع عن نفسها، غير أن إسرائيل وفقاً لنفس هذا القانون الدولي تحتل أراضي عربية، ويجيز القانون الدولي مقاومة المحتل، كما أن المجازر الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة والضفة تعتبر أيضاً جرائم حرب وفق القانون الدولي.
لم تتوقف الانتقادات للحكومة الإسرائيلية سواء خارج إسرائيل أو حتى داخلها، فالمظاهرات ضدها مستمرة وبشكل يومي، وهي تحمّلها مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، خاصة أن الخبراء يقدرون هذه الخسائر بمليار دولار أسبوعياً، كما تحمّلها مسؤولية تعطل الحياة في العديد من المرافق، فالاحتياطي الإسرائيلي مكون من موظفين في الجامعات والمدارس والمستشفيات، واستدعاؤهم لفترة طويلة يصيب الدولة بالشلل، وقد أبدت بعض الصحف الإسرائيلية تخوفها من عودة إسرائيل لحالة العزلة مذكراً بما حصل لليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
قبل أيام وخلال جلسة استماع لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن في مجلس الشيوخ الأمريكي، رفع بعض النواب شعارات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، في الوقت الذي صبغ فيه البعض الآخر كفوفهم باللون الأحمر كناية عن الدماء المراقة في غزة، وقد بدأت العديد من حكومات أوروبا في الاعتقاد بأن العملية الإسرائيلية تجاوزت حدود الدفاع عن النفس، كما بدأت الصين تفقد صبرها، وقبل فترة غردت المتحدثة باسم الخارجية الصينية على موقع إكس قائلة «لا يزال القصف مستمراً على قطاع غزة، كم عدد أرواح الأطفال والمدنيين الذي سيكفي لإيقاف ذلك؟»، أما المندوب الروسي في الأمم المتحدة فقد طالب بضرورة تجنّب وصف إسرائيل بأنها تدافع عن نفسها، لأنها دولة احتلال، مؤكداً على أن استمرار ما تقوم به ضد السكان المدنيين في غزة سيجلب الدمار للمنطقة بأكملها، كما أكد على أن الأمم المتحدة ليس لها الحق في أن تعطي إسرائيل تفويضاً مطلقا للقيام بعملية برية في غزة.
لعل أسوأ النتائج المترتبة على ما تقوم به حكومة إسرائيل هو أن المواطن الإسرائيلي لم يعد آمناً على نفسه سواء داخل إسرائيل أو حتى خارجها، وهو ما دفع حكومة نتنياهو -مؤخراً- لمطالبة المواطنين بتجنب السفر للخارج، أو على الأقل تجنب حمل الوثائق التي تدل على كونهم إسرائيليين، وقد ظهر هذا التصريح مباشرة عقب اقتحام البعض لمطار داغستان وتفتيش هويات المسافرين بحثاً عن أي مواطن إسرائيلي، مما أصاب المواطنين الإسرائيليين بالفزع خوفاً من تكرار هذا الأمر في دول أخرى، والفشل الأمني دعا أحد المسؤولين في حزب الليكود للاستقالة بسبب فشل إدارة نتنياهو في توفير الأمن لسكان إسرائيل.
يعيش العالم الآن على صفيح ساخن بسبب مجازر إسرائيل التي أحرجت حتى حلفائها، فبعض المسؤولين في الخارجية الأمريكية انتقدوا علانية السياسة الأمريكية بخصوص حرب غزة، وقد أعلن جوش بول مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية فى وزارة الخارجية استقالته احتجاجاً على السياسة الأمريكية المتعلقة بمساعدة إسرائيل ومدها بالأسلحة الفتاكة، نفس الأمر ينطبق على بريطانيا، حيث اضطر رئيس وزرائها إلى إقالة وزيرة الداخلية بسبب تصريحاتها حول تعامل الشرطة مع المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، إضافة إلى استبعاد وزير الخارجية واستبداله بديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق.
من المؤكد أن كل دولة تخشى على مصالحها، والعالم لن يقف مكتوف الأيدي أمام الجنون الإسرائيلي السافر طويلاً، والآن يعيش العالم بأكمله حالة من الترقب والرهبة من اتساع الصراع، فإسرائيل تسير بالعالم نحو مستقبل مظلم وقد تقودها لحرب عالمية ثالثة.