إزدواجية الأدوار وتشتيت القرار الفلسطيني.

كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن.
ليست اشتباكات عين الحلوة والمواجهات القائمة منذ عدة أشهر بين حركة «فتح» وبعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة مجرد صدامات أمنية ظرفية نتيجة تنافس على النفوذ داخل المخيم، بل هي أبعد من ذلك وتتصل بصراع سياسي عميق على المرجعية السياسية لفلسطينيي لبنان.
هناك من يسعى إلى التخلص من مرجعية حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية للاجئي لبنان، وبالتالي يعمل على تغيير هوية القيادة الفلسطينية بموازاة محاولات تغيير تلك الهوية سواء في الضفة الغربية ورام الله، أو في مناطق الشتات. وهي محاولات يجري التخطيط لها منذ سنوات، وتتوسل في لبنان أساليب وطرقاً متعرّجة، تستفيد من غياب المرجعية اللبنانية الموحدة، ومن ضعف السلطة المركزية ومن تشتتها، سياسياً وأمنياً.
فمنذ اندلاع الاشتباكات في نسختها الجديدة، وتحديداً في أواخر تموز الماضي داخل عين الحلوة، ثمة من يلعب اللعبة المزدوجة بين التهدئة وبين التصعيد من خلف الستار، بهدف تأجيج نيران الصدام المسلح ومن أجل استنزاف «فتح» والقيادة الفلسطينية التي تتعرض دون غيرها لضغوط وقف النار، بذريعة أن لا مونة على مقاتلي التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وبحجة حقن الدماء والحؤول دون توسع الاشتباكات، فيما يتولى هؤلاء عملية توسيعها وجر سائر الفصائل إليها، وصولاً إلى تكريس أمر واقع يقضي باقتسام المرجعية بين الإسلاميين وبين الشرعية الفلسطينية، وإضعاف الأخيرة بعمليات القضم. وهذا ما يشهد عليه إطلاق القذائف على مناطق خارج المخيم لاستدراج الضغوط على قيادة منظمة التحرير في لبنان وفي رام الله.
على مدى السنتين الماضيتين، وفيما الجيش اللبناني والقوى الأمنية منشغلة بحفظ الأمن الداخلي وسط إمكانياتها القليلة في ظل الأزمة الاقتصادية المالية التي أثرت على حركتها الميدانية، جرى غض النظر عن دخول الكثير من الإسلاميين المتشددين من سوريا إلى لبنان، وتحديداً إلى مخيم عين الحلوة، وجرى تجاهل انضمام العديد من المطلوبين من المناطق اللبنانية الشمالية، بحيث كثُر عدد الشلل الإسلامية المتطرفة التي انضوى عناصرها سواء تحت لواء «جند الشام» و»الشباب المسلم» أو غيرهما. وتضاعف عدد المطلوبين للقضاء، الذين شكلوا عصب تلك التنظيمات.
غض النظر والتجاهل هذان حصلا من قبل أطراف معنية بالمعابر وتهريب البشر على الحدود، وبمراقبة تنقلات رموز التطرف هنا وهناك في المناطق اللبنانية.
الملفت أنّ هؤلاء تمكنوا في أشهر قليلة من الحصول على أسلحة بعضها متطور، وعلى كميات من الذخائر التي كشفت الاشتباكات الأخيرة حجمها ونوعيتها، فمن سهّل لهم تمريرها؟ لم يتردد هؤلاء في استخدام قذائف الهاون بدل الرصاص، لافتعال خرق وقف إطلاق النار، كما حصل حين استُهدفت لجنة الفصائل الفلسطينية التي دخلت المخيم قبل يومين لتثبيت وقف القتال، لمجرد أنها تضم قياديين من «فتح».
ليس بريئاً احتلال المدارس التابعة للأونروا في المخيم من قبل المسلحين الإسلاميين المتطرفين قبل شهرين، ما اضطر «فتح» للسيطرة على بعضها منعاً لاستحواذ هؤلاء المسلحين بالكامل عليها. ليس بريئاً نصب بعض الخيم قرب ملعب صيدا الرياضي لإيواء الفلسطينيين الهاربين من لهيب المعارك في المخيم، والذي صادف مع تهديد الأونروا بنقل تعليم التلامذة إلى خارجه إذا لم يتم إخلاء مباني تجمع المدارس (يناهز عدد التلامذة 5900 مع ما يعنيه ذلك من انتقال ذويهم أيضاً). فهل المطلوب تفريغ المخيم من سكانه، كي ينتشروا في المدينة ومحيطها وتشتيتهم مجدداً، وخلق مشكلة اجتماعية إضافية للبنان واللبنانيين تصرف الأنظار عما يحصل داخل المخيم؟ وهل المقصود خلق بؤر توتر أمنية جديدة أدت الخشية منها إلى إزالة الخيم على عجل؟ وهل هو بريء قيام بعض المسلحين المنتمين إلى فصيل يعمل على التهدئة (حركة «حماس») بالقتال مع المسلحين المتطرفين في الجولات السابقة والذي قيل إنه جرى خلافاً للأوامر وتمت معاقبة هؤلاء؟ ومن يعمل على توريط «حماس» في هذا الأتون؟
سواء صحت الخشية من أنّ هدف تغيير المرجعية في المخيمات الفلسطينية أو تشتيتها هو تسهيل ضمها إلى نظرية وحدة الساحات من قبل فريق «الممانعة» أم لم يصح، فإنّ قيادة الجيش تبدو الأكثر تنبّهاً إلى مساعي قيام «شاكر العبسي» جديد في عين الحلوة، كما حصل في مخيم نهر البارد الشمالي عام 2007، وبالتالي يرصد ما يجري من زاوية هذه الخشية. وهي الأقدر على كشف من يمارس ازدواجية الأدوار، في هذه اللعبة القذرة.