رأي

الشيخ أحمد العبدالله.. ووعورة الطريق

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.

بادئ ذي بدء نكرر مباركتنا للشيخ أحمد العبدالله الصباح لنيله ثقة سمو أمير البلاد حفظه الله، بتوليه رئاسة مجلس الوزراء، وتأتي هذه المسؤولية الكبيرة على الشيخ أحمد العبدالله في ظل ظروف ومعطيات داخلية وخارجية حساسة للغاية.

وبعيداً عن المجاملات وصور التنظير السياسي، واقتراباً بصورة أكبر للواقع القائم، وفي ظل وعورة الطريق أمام رئيس الوزراء الجديد الشيخ أحمد العبدالله، نشير الى عدد من جوانب الوعورة وعقبات الطريق، التي تتطلب اهتماماً خاصاً من رئيس الوزراء والفريق العامل معه، بهدف تجنّب مهالك الطريق، وصعوبات الوصول الى بر الأمان.

عقبة عدم الاستقرار

مرّت على الكويت، في غضون 3 سنوات ماضية، 4 حكومات و4 مجالس تشريعية، ويعكس هذا الوضع الخاطئ حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الدولة، فلا توجد برامج حكومية مستمرة، ولا عمل برلماني منتج، ولا عمل تنفيذي مستقر لأسباب عديدة، منها غياب الرؤية والعمل لمعالجة الفراغ الكبير في التعيين القيادي، الأمر الذي يتطلب من الحكومة الجديدة تقييم جاد لهذا الوضع، ومن ثم بناء رؤية استراتيجية تقود إلى تعزيز الاستقرار في أداء السلطات الدستورية.

عقبة تداخل اختصاصات أعضاء السلطة التنفيذية

أعتبر تلك العقبة في ظل التجربة التاريخية الأخيرة أبرز عقبة، وأكثر الطرق وعورة أمام رئاسة الوزراء الجديدة، فالعديد من الحكومات في السنوات الأخيرة أخفقت وارتبكت أدوارها، وأضاعت بوصلتها بسبب غياب الإدارة الموحدة، ووجود أكثر من رأس وقيادة ورأي في السلطة التنفيذية، وبالتالي فإنه يتطلب لنجاح مسيرة الحكومة الجديدة أن تقف وقفة تقييم ومصارحة ما بين أعضاء السلطة التنفيذية، بهدف حسم صور التداخل والتشابك في أداء السلطة التنفيذية بما يحقق الأداء المؤسسي السليم والمطلوب.

عقبة مناكفة النظام الدستوري

يواجه رئيس الوزراء عقليات بعض قيادات السلطة التنفيذية المناكفة والمعارضة للمسار السياسي، والعلاقة بين السلطتين والنظام الدستوري بصفة عامة، وتلك العقلية تضع العراقيل والعقبات امام أية حكومة تسعى لإنجاح المسار السياسي، أو لتعزيز التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة، ويتطلب من الوزارة الجديدة كبح سلوك من ينتمي لهذه العقلية، حرصاً على النظام الدستوري الذي، هو بعد الله، صمام أمان للكويت وشعبها.

عقبة الثوب الماضي لرئيس الوزراء

لرئيس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله تجربة سابقة في العمل الوزاري والتنفيذي، وتلك التجربة تحمل في طياتها جوانب إيجابية، وأخرى سلبية، وبالأخص في العلاقة مع مجلس الأمة، ومن المهم أن يدرك رئيس الوزراء، في ظل مهامه الجديدة، أننا جميعاً أبناء اليوم، وأن عظم مسؤولياته كرئيس للوزراء يستدعي أن يتحلى بثوب جديد، أساسه فتح صفحات جديدة من العلاقة الإيجابية مع الجميع، والعمل المؤسسي الجاد للنهوض بأدوار مجلس الوزراء.

عقبة ضعف مؤسسة مجلس الوزراء

تقول القاعدة الشهيرة «من صحت بدايته صحت نهايته»، وأول انطباع سيأخذه الشعب عن رئيس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله الصباح تشكيله للوزارة الجديدة، فإن كان التشكيل الوزاري الجديد على درجة عالية من الكفاءة والقوة والأمانة، فإنها بحق بداية جيدة تنبئ عن مستقبل واعد للحكومة ورئيسها، وإن ساءت البداية بسوء التشكيل ساء الانطباع، وساءت نهاية الحكومة، وقد تسببت التشكيلات الأخيرة للحكومات المتعاقبة في ضعف الأداء العام للوزارة، نظراً لعدم صواب منهجية الاختيار في التشكيل الوزاري، الذي كان يعتمد بالدرجة الأولى على اختيار الشخصيات وفق أسلوب الترضيات والمحاصصة، والاعتماد على الشخصيات التكنوقراطية، وكل ذلك على حساب اختيار الشخصيات ذات المهارة السياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة، كما أنه يتطلب لتجاوز عقبة ضعف مؤسسة مجلس الوزراء، قيام رئيس الوزراء بإلحاق مجلس الوزراء بفريق عالي المستوى، يوفر صور الدعم الاستشاري والفني بصورة مؤسسية.

عقبة العلاقة والتعاون مع مجلس الأمة الجديد

الشيخ أحمد العبدالله له تجربته الخاصة مع مجلس الأمة، وليست بالضروة تكون إيجابية، وتأتي الوزارة بعد انتخابات جديدة أعاد فيها الشعب أغلبية أعضاء المجلس السابق، في ظل توجس من توجهات السلطة التنفيذية، وهي رسالة من الشعب يجب أن تُقرأ بصورة جادة، وتصحب ذلك كله حملة من فئة في المجتمع، أعتبرها في رأيي الخاص لا تمثل أغلبية الشعب الكويتي، تقوم بتحريض السلطة التنفيذية على مجلس الأمة وأعضائه، وكل هذه العقبات، سواء الشخصية منها أو العامة، يجب ألا تحرف مجلس الوزراء عن المسار، الذي نص عليه الدستور، بالتعاون بين السلطتين، بل تلك العقبة يجب أن تكون دافعاً لدعم خطاب العقل والحكمة بالعمل المشترك والتوافق الإيجابي، والجلوس على طاولة واحدة للاتفاق ونبذ الخلاف، وتفويت الفرصة على من يريد تشويه نظامنا الدستوري والعبث به.

الأخ الفاضل الشيح أحمد العبدالله الصباح رئيس الوزراء، كل ما ذكر هو من قبيل العمل الداخلي، الذي يمكن تحقيقه، بإذن الله، إذا صدقت النوايا وتوافرت الإرادة والعزم لذلك. ولكن في المقابل، كيف العمل مع الظروف الخارجية؟ وهي في الواقع أكثر تأثيراً وأهمية، نظراً لخطورة المستجدات الإقليمية والدولية؟ وعليه فإن من أهم واجبات حكومتكم الجديدة منح مسائل الشأن والأمن الخارجي أولوية قصوى في سلّم اهتماماتكم وأجندتكم وبرنامجكم القادم، ومن صور الاهتمام الإستراتيجي في هذا الجانب التعامل المؤسسي مع الأزمات والأخطار، وهو مشروع طال انتظاره، ومطلوب في هذه المرحلة الحساسة، لذا يقترح إنشاء جهاز متخصص لإدارة الأزمات والمخاطر أسوة بالتجربة العالمية، وقد سبق أن قدّم بعض أعضاء مجلس الأمة مقترحات بقانون في هذا الشأن يمكن الاستفادة منها، وليكن ذلك أول إنجازات حكومتكم الجديدة.

ختاماً.. نسأل الله ان يوفق رئيس الوزراء الجديد والعاملين معه لخير البلاد والشعب، وأن يسدد رؤاهم وخطاهم، وأن يكتب الله للكويت وأهلها كل خير وأمن واستقرار وازدهار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى