رأي

صدام حفتر نائبا لأبيه.. مشروع توريث يعمق وضع ليبيا المعقد؟

كتب عماد حسن في صحيفة DW.

قبل أيام، عين قائد القيادة العامة العسكرية في شرق ليبيا المشير خليفة حفتر (82 عاماً)، نجله الفريق صدام، رئيس أركان القوات البرية، نائباً له، وذلك بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والثمانين لتأسيس الجيش الليبي.  

وقال مكتب إعلام القيادة العامة لما يعرف بـ”الجيش الوطني الليبي”، الذي تأسس بعد حرب عام 2011، ويقوده منذ عام 2014 حليفة حفتر، “إن هذه الخطوة تأتي تماشياً مع رؤية القائد العام 2030 لتطوير وتعزيز الأداء العام للقوات المسلحة”، كما نوه المكتب بأن هذا التكليف سيتبعه عدد من التكليفات المهمة خلال الأيام القليلة المقبلة.

القرار الذي رآه البعض خطوة طبيعية ورآه آخرون خطأ فادحا، أعاد إلى الواجهة نقاش محتدم منذ عقود، ليس في ليبيا وحدها وإنما في الكثير من الجمهوريات العربية، وهو النقاش الذي يدور حول توريث السلطة والمناصب من الآباء إلى الأبناء إلى جانب سؤال آخر وهو شرعية القرارات التي يتم الإعلان عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون المرور من خلال الطرق القانونية والدستورية الرسمية.

القرار أثار أيضاً الكثير من التساؤلات حول ما يمكن أن ينتج عنه من تعميق للانقسام الليبي وتداعياته المستقبلية سياسياً وعسكرياً في الشرق والغرب الليبيين.

“مزيد من الاستقرار”

ويرى الدكتور فوزي الحداد الكاتب والباحث السياسي الليبي أن الدوافع لهذا القرار كثيرة، “أولها كبر سن القائد العام للقوات المسلحة وهذا أمر يتطلب وجود خطة بديلة في حالة شغور هذا المنصب في أية لحظة”.

وأضاف حداد خلال اتصال هاتفي مع DW عربية أن “هذا الأمر كان مثار نقاش على مدى السنوات الماضية من كل المتبعين للشأن السياسي، والأمني في ليبيا، على اعتبار أن الجانب العسكري الآن يلعب دوراً كبيراً في استقرار الأوضاع، خصوصاً في برقة وفي الشرق الليبي فكانت هناك ضرورة لإجراء أمر يجعل من المنتسبين للمؤسسة العسكرية على وجه الخصوص وكامل المنطقة هذه يشعرون بشيء من الاستقرار. نجحت هذه الأفكار، وتبلورت في تعيين الفريق صدام حفتر نائباً”. 

الأمر نفسه يعتقده عبد السلام الراجحي الكاتب والمحلل السياسي الليبي، إذ يرى أن الدافع الرئيسي وراء هذا القرار “هو الحالة الصحية التي يمر بها خليفة حفتر، إضافة إلى تقدمه في السن فهو نهاية الثمانينات من عمره وقد تعرض للعديد من الأمراض خلال الفترة الماضية.”

وأضاف خلال حوار هاتفي معه من إسطنبول أن “الكبر في السن له تأثيرات سلبية، كما أن درجة الوعي تؤثر على الكثير من القرارات، حتى عندما يلقي حفتر الكلمات، فدائماً ما تكون مسجلة ودائماً يعيد ويكرر الكلمات نفسها، حتى إن بعض من التقوا به وجهاً لوجه قالوا إنه يكرر السؤال أكثر من مرة وأحياناً يدخل في مرحلة التشتت الذهني، فأعتقد السبب العمر”.

ويرى خبراء ومحللون ليبيون أن قرار المشير حفتر ربما يتعلق أيضاً بضرورة استقرار المؤسسة العسكرية ووجود قيادات شابة، وفي هذا الإطار قال حداد إن “الفريق صدام أظهر في السنوات الماضية قدرات كبيرة في متابعة المؤسسة العسكرية وتطويرها وتقدمها. “

مشروع توريث؟

وفي داخل ليبيا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يرى كثيرون أن هذا الأمر هو عبارة عن استمرار لمسلسل التوريث في الدول العربية، بانتقال القيادة من الأب إلى الابن سواء كانت قيادة سياسية أو عسكرية، كما يعتقد آخرون في الساحة الليبية أن مثل هذا التعيين قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتكريس للانقسام بين الشرق والغرب الليبيين، وهو ما عبر عنه الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الفيتوري في منشور على موقع فيسبوك:

يقول عبد السلام الراجحي الكاتب والمحلل السياسي الليبي إنه “في أعقاب صدور هذا القرار بعدة ساعات ، أصدر عبدالله آل لافي عضو المجلس الرئاسي، وبصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، قراراً برفض هذا التكليف باعتبار أن هذا الأمر من اختصاص القائد الأعلى للجيش الليبي، وهو المجلس الرئاسي”.

وأكد الراجحي أن هذا القرار “يعطي انطباعاً بأن المؤسسة العسكرية والأمنية ستأخذ وقتاً طويلاً حتى تلتئم من جديد بسبب هذه القرارات التوريثية التي أصبح ما يسمى بالجيش في المنطقة الشرقية في ليبيا هو مؤسسة أسرية وليست مؤسسة مبنية على الانضباط والكفاءة والمهنية وغيرها، أصبح المنصب ليس بالكفاءة ولا بالمهنية، بل بالـ DNA أي وفقاً لدرجة قرابة الشخص من خليفة حفتر. فكلما زادت قرابتك منه كلما كان لك نفوذا ومناصبا وتحكما في المؤسسة العسكرية”.

ويرى آخرون أن تعيين صدام في هذا المنصب جاء برضا أمريكي ولهدف آخر وهو القبول  باستقبال عدد من سكان قطاع غزة  خلال الفترة المقبلة:

لكن على جانب آخر، لا يرى الدكتور فوزي الحداد الأمر على هذه الصورة، “لأن مسألة التوريث أمر شائع في الكثير من الدول خصوصاً الدول العربية سواء كانت ملكية أو جمهورية، وهو أمر تعودنا عليه منذ فترات طويلة، بل أن الفكرة نفسها موجودة في الغرب الليبي، فالسيد الدبيبة مثلاً من يعملون معه ويقودون الأمور هناك هم أبنائه أو إخوته وأبناء عمومته؛ أي أن العائلة بشكل أو بآخر تلعب دورا كبيرا في هذا الأمر”.

ويطرح حداد رؤية مغايرة لتعيين صدام حفتر نائباً لأبيه فيقول إنه “من وجهة نظر شخصية فإن الأمر في المؤسسة العسكرية قد يختلف لأن صدام يعمل منذ أكثر من أربع سنوات في قيادة الأركان العسكرية، وأظهر حضوراً قوياً في الساحة، جعل الناس هنا في عموم المنطقة الشرقية تطمئن لهذا الشاب، وتطمئن إلى أن قيادته للمؤسسة العسكرية سوف تتواصل على النهج الذي ابتدعه وصنعه والده المشير حفتر”.

وقال إنه من دلائل ذلك أنه “بمجرد الإعلان عن التعيين رأيت كل هذا القبول من الأطراف المختلفة سواء الشعبية أو السياسية أو الأمنية بهذا التكليف على اعتبار أنه صمام أمان للمؤسسة العسكرية التي بذل الكثير في صناعتها، وأن الفريق صدام هو أحد أهم الأسس التي يمكن أن تحافظ على هذه الجهود وهذه المؤسسة، وما حققته حتى الآن في ليبيا.”

“غياب لمعيار الكفاءة”

وانتقد البعض قرار حفتر بتعيين ابنه كنائب له ليس فقط من ناحية ترسيخ فكرة التوريث وإنما لغياب معيار الكفاءة والخبرة، ذلك أن “صدام حفتر ليس خريج كلية عسكرية، وقد دخل المجال العسكري من حوالي سبع سنوات فقط” بحسب ما قال الراجحي الذي أشار إلى أن الناس “عرفت صدام حفتر كرجل عسكري خلال سنوات قليلة، وفجأة أصبح برتبة فريق”.

ويؤكد الراجحي أن “هذه الرتبة عالية جداً، ولم يحصل عليها أحد إلا بعد انتهاء حقبة القذافي التي امتدت 40 سنة، واليوم ولأول مرة أصبح لدينا عسكريين برتبة فريق، قبلها لم توجد هذه الرتبة”، مضيفاً أن “هناك أيضاً كوادر عسكرية في قوات حفتر كبيرة في السن ولديها تجربة وأقدمية في المؤسسة العسكرية مثل عبد الرزاق الناضوري، عبد السلام الحاسي وغيرهما من الضباط الكبار في السن والتجربة والعمر، ولم يتحصلوا على رتبة فريق حتى الآن، وكانوا هم الأجدر بأن يكون واحداً منهم نائباً لخليفة حفتر”

ويشير خبراء ومحللون ليبيون إلى أن حفتر قام قبل ذلك بعملية تمكين لأبناء وأسرته ليس في المؤسسة العسكرية والجيش فقط وإنما أيضاً فيما يخص مؤسسة الاتصالات وشركاتها، وصناديق الإعمار إلى جانب وزارة المالية، ومنظومة النهر الصناعي.

ويقول الراجحي إن “كل ابن من أبناء حفتر أصبح يقود إحدى المؤسسات بسلطة والده وليس بسلطة كفاءات أو غيره، حتى في قضية كرة القدم أصبحوا هم رعاة كرة القدم، وحتى قضية تقديم بعض المساعدات لليبيين المحتاجين تتم عبر أولاد حفتر، ولا تتم عبر الحكومات أو المؤسسات المعنية بهذا الأمر”.

تأثيرات سلبية

ويرى محللون ومعلقون ليبيون أن قرار خليفة حفتر بتعيين ابنه نائباً له سيعمق من الانقسام، كما أنه سيؤخر كثيراً من توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وتوحيد البلاد بصفة عامة حتى على حكومة واحدة.

يشار هنا إلى أن ليبيا منقسمة إلى شرق وغرب بسبب صراع بين فصائل متناحرة على مدى أكثر من عشرة أعوام. وتتنازع السلطة حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس (غرب) مقرا، وتعترف بها الأمم المتحدة ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وحكومة في بنغازي (شرق) برئاسة أسامة حماد يدعمها حفتر.

ويشير خبراء إلى أنه من المفترض بحسب القوانين الليبية أن من يعطي هذه الرتبة والمنصب هو القائد الأعلى للجيش الليبي، وهنا يؤكد عبد السلام الراجحي الكاتب والمحلل السياسي الليبي أن “لدينا إشكالية في هذه المسألة، فمن هو القائد الأعلى للجيش الليبي؟ هل هو المجلس الرئاسي المعترف به دولياً والذي نتج عن اتفاق تونس – جنيف الذي رعته بعثة الأمم المتحدة؟ أو عقيلة صالح (رئيس البرلمان في الشرق الليبي) الذي يرى في نفسه القائد الأعلى للجيش الليبي أو الإعلان الدستوري الذي يقول إن الجيش الليبي هو مجلس النواب مجتمعاً؟”.

واختتم حديثه بالقول إنه من المفترض أن “يأتي هذا القرار من القائد الأعلى للجيش الليبي وليس من القائد العام بحسب القوانين والتشريعات الليبية، لأن من كلف خليفة حفتر هو مجلس النواب بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي والمفترض أن من يكلف نائباً لحفتر هو القائد الأعلى للجيش الليبي، هذا الأمر سيؤثر سلباً على ما يحدث من انقسامات داخل مؤسسة عسكرية، واستمرارها حتى الآن”

ويقول خبراء في الشأن الليبي إن حفتر يصر حتى النهاية على أن  يفرض نفسه طرفاً “لا غنى عنه” في ليبيا بشتى السبل وأنه قد فعل ذلك سابقاً عدة مرات وكان آخرها إبعاد وفد وزاري أوروبي وصل الى شرق ليبيا، بهدف إرسال “رسالة واضحة” وتثبيت مكانته كطرف “لا غنى عنه” وإن لم يعترف به المجتمع الدولي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى