المحادثات الروسية الاميركية -تمهيد لاتفاق اوسع ام احتواء للتصعيد…

مع انتهاء جولة جديدة من المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة في الرياض، تبرز العديد من الأسئلة الجوهرية حول طبيعة هذه المحادثات ونتائجها المحتملة. فبحسب التصريحات الرسمية، كانت المناقشات “مكثفة وصعبة ولكنها مفيدة”، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الجلسات تمهيدًا لاتفاق أوسع أم مجرد محاولة لاحتواء التصعيد العسكري والسياسي.
فقد تطرقت المباحثات، التي استمرت 12 ساعة، إلى ملفات حساسة تتعلق بحماية منشآت الطاقة والبنية التحتية الحيوية، وكذلك مصير الأطفال الأوكرانيين الذين تتهم موسكو باختطافهم. ورغم أن هذه القضايا تبدو إنسانية وفنية في ظاهرها، إلا أنها تحمل أبعادًا سياسية عميقة، إذ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمسألة السيادة الأوكرانية ومستقبل النفوذ الروسي في المنطقة.
وما بين المصالح و التفاوضات يبدو أن الولايات المتحدة تحاول دفع روسيا إلى تقديم تنازلات على طاولة التفاوض، في حين تسعى موسكو إلى تثبيت مكاسبها السياسية والعسكرية دون تقديم تنازلات جوهرية. فإلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه المحادثات أمام التناقضات العميقة بين الجانبين؟
ولا شك ان للمملكة العربية السعودية واللاعبين الدوليين دور محوري حيث كان من اللافت أن تجري هذه المحادثات في الرياض، وهو مؤشر على الدور المتنامي للمملكة العربية السعودية كوسيط في الأزمات الدولية. لذا من المرتقب أن تلعب الرياض دورًا فعالًا في تقريب وجهات النظر بعيداً عن التباين بين المصالح الأميركية والروسية الذي قد يجعل من نجاح هذه المحادثات محدودًا؟
من جهة أخرى، تتزامن هذه المحادثات مع حراك دبلوماسي متزايد في المنطقة، حيث يجري الإعداد لجولة مفاوضات بين كييف وواشنطن في العاصمة السعودية أيضًا. وسط تساؤلات عن سعي الولايات المتحدة إلى بناء جبهة دبلوماسية جديدة ضد موسكو في حال فشل المفاوضات بالرغم من رؤية العديد من المتابعين للشأن الروسي أن هناك مجالًا فعليًا لحلول وسط يمكن أن تؤدي إلى تهدئة النزاع.
رغم الأجواء الإيجابية التي حاول بعض المسؤولين الترويج لها، فإن المؤشرات الميدانية لا توحي بقرب التوصل إلى اتفاق شامل. فالغموض الذي رافق المقترح الأميركي خلال الأسبوع بوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا يشير إلى أن الاتفاق ما زال بعيداً، يضاف إلى ذلك أن قضايا مثل ترسيم الحدود وملكية محطات الطاقة لا تزال موضع خلاف حاد. ليبدو ان هذه المحادثات قد لا تؤدي إلى حلول عملية بل تبقى مجرد جولة أخرى في لعبة شد الحبال بين موسكو وواشنطن.
في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وتعقيد الحسابات الجيوسياسية، تظل هذه المحادثات خطوة أولى في مسار طويل ومضنٍ. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للجهود الدبلوماسية أن تسبق الحسابات العسكرية، أم أن الصراع سيستمر حتى تحقيق أحد الأطراف لانتصار حاسم؟
*رأي سياسي*