هل اقترب رحيل الدبيبة
كتب الحبيب الأسود, في العرب:
هناك اتفاق يكاد يكون جماعيا على ضرورة الإطاحة بالدبيبة وحكومته لفسح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة موحدة تبسط نفوذها على كامل الجغرافيا الليبية وتهيئ الظروف لتنظيم الانتخابات.
جاء البيان الأخير الصادر عن مجلس الأمن في 27 فبراير الماضي، ليزيد من تضييق الخناق حول رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة، الذي يتهمه مناوئوه بعرقلة الحل السياسي من خلال تمسكه بالحكم ورفضه التخلي عن منصبه بما يساعد على تشكيل حكومة موحدة أصبحت مطلبا دوليا، لضمان تنظيم الاستحقاقات الانتخابية على كامل الأراضي الليبية.
وإذا كان مجلس الأمن قد هدد بفرض عقوبات على “الأفراد أو الكيانات مِمَن يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو يعيقون أو يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح عبر عرقلة الانتخابات أو تقويضها، قد يتم إدراجهم على قائمات عقوبات مجلس الأمن”، فإن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي كان قد استبق ذلك بالتأكيد على أن الحل الوحيد للأزمة هو تشكيل حكومة جديدة موحدة، ونفس الشيء تتبناه واشنطن وباريس وتدافع عنه موسكو ولا تعارضه بكين، وأصبح خيارا داخليا ضروريا لإيجاد فرصة لإعادة توحيد البلاد بدل الدفع بها إلى المجهول عبر تكريس حالة الانقسام التي تخدم فقط مصالح من يمارسون الحكم ويحظون بالامتيازات ويستفيدون من استمرار الوضع على ما هو عليه.
ويأتي الإعلان عن لقاء قريب في باريس بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، ليشكل خطوة جديدة على طريق توافقات يبدو أن الدبيبة أكبر المتضررين منها، وهي تتزامن مع موقف القوى المؤثرة في مصراتة والزاوية وبني وليد والزنتان وغيرها من مدن المنطقة الغربية، وبروز الفجوة الحاصلة بينه وبين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير الذي لم يكتف بتوقيف تمويل الميزانية، وإنما كشف للرأي العام عن ثغرات عميقة في الإنفاق وإهدار للمال العام بشكل غير مسبوق وفشل في إدارة الشأن المالي والاقتصادي، وهو ما يطرح كثيرا من الأسئلة عن سر تصلّبه الكبير في موقفه، وإصراره على كشف ملفات كانت طي الكتمان في أدراج المصرف، مع ترجيح من المراقبين، بأن الأمر مرتبط بموقف دولي عام للتضييق على الدبيبة إلى أن يغادر موقعه بعد أن يقتنع بأن المنصب الذي تولاه تحت غطاء المجتمع الدولي ليس غنيمة على ذمة الشخص والأسرة والجماعة.
قبل ثلاث سنوات، تحديدا في العاشر من مارس 2021 أعلن عن قرار مجلس النواب المنعقد في مدينة سرت، منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة المهندس عبدالحميد الدبيبة الفائز في 5 فبراير من ذلك العام بأغلبية أصوات الأعضاء المشاركين في مؤتمر الحوار السياسي الليبي – الليبي في جنيف بعد انتخابات شابها الكثير من الشك في مصداقيتها بسبب الدور الذي لعبه المال السياسي في تحديد نوايا الناخبين.
كان الهدف من تشكيل الحكومة الجديدة تكريس وقف إطلاق النار، وإعداد العدة لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تم تحديد موعدها في 24 ديسمبر 2021، وهو التاريخ الذي استطاعت المبعوثة الأممية آنذاك ستيفاني ويليامز أن تضفي عليه قداسة سرعان ما تبناها المجتمع الدولي عبر مؤسساته الرسمية، فيما كان هناك اتفاق من داخل مؤتمر الحوار السياسي الليبي في دورته التأسيسية بالعاصمة التونسية في نوفمبر 2020 على أن مهام حكومة الوحدة ستنتهي بانتهاء دورها في تنظيم الانتخابات في ديسمبر 2021، ولن تتجاوز في أقصى الظروف 18 شهرا.
اعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن منح الثقة لحكومة الدبيبة علامة مميزة لناحية تنفيذ خارطة الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي من أجل حكومة وحدة وطنية مؤقتة وفعالة وموحدة، وأعرب عن ثقة بلاده في بأن هذه القيادة الجديدة ستتخذ عندما تتولى الحكم الخطوات اللازمة لضمان انتخابات وطنية حرة ونزيهة في 24 ديسمبر 2021 كخطوة رئيسية باتجاه التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع المستمر. إن انتقال السلطة إلى القادة المنتخبين من قبل الشعب الليبي في هذه الانتخابات بشكل سلس ومنظم، بالغ الأهمية لتعزيز العملية الديمقراطية في ليبيا.
نجح الدبيبة في وضع يده على حقيبة الدفاع، وفي أن يمسك بكل خيوط الدبلوماسية الليبية، وأن يحيط المجلس الرئاسي بأصابع أخطبوط من الصعب على محمد المنفي الفكاك منها، كما نجح في تشكيل تحالف بين المال والسلاح، وتخلى عن تعهداته بإجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية، وأصبح خلال الفترة الماضية مدافعا عن الميليشيات وعن دورها في الأمن والاستقرار، وكأنه يطرح على نفسه إمكانية أن يستظل بظلال بنادقها عندما يحتاج إليها في الدفاع عن المنصب والامتيازات.
أبرز نقطة ضعف يعاني منها الدبيبة هي اعتقاده بأنه قادر على الضحك على الجميع، وبأنه يستطيع اللعب بالبيضة والحجر، سواء مع القوى الداخلية أو الخارجية، حيث يبدو علمانيا مع العلمانيين، وإسلاميا مع الإسلاميين، وديمقراطيا مع الديمقراطيين، وثوريا مع الثوار، وحضريا مع الحضر، وبدويا مع البدو، وهو قادر على أن يتشكل في صورة المدافع عن سياسة القطب الواحد مع الأميركان، وعن تعدد الأقطاب مع الروس والصينيين، كما يمكن أن يحتضن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني بنفس المودة التي يخاطب بها هاتفيا قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ومن الطبيعي أن يتبنى التطبيع كخيار إستراتيجي ثم يتبرأ منه عندما تم الكشف عن لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش في أغسطس الماضي مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، وهو لا يتحرج من أن يكون جزءا داعما أساسيا لتيار الإسلام السياسي بقيادة الإخوان عبر اندساسه في عباءة رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني، وفي الوقت ذاته قريبا من التيار المقابل الذي يقف بقوة ضد الإخوان وحلفائهم.
بات واضحا أن هناك اتفاقا يكاد يكون جماعيا على ضرورة الإطاحة بالدبيبة وحكومته لفسح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة موحدة تبسط نفوذها على كامل الجغرافيا الليبية وتهيئ الظروف لتنظيم الانتخابات التي لا يمكن أن تحظى بالتعددية والشفافية والنزاهة والمصداقية إذا جرت في ظل حالة الانقسام التي تعرفها البلاد حاليا، كما أن هناك مخاوف من أن يتسبب تمسكه بالكرسي في اندلاع حرب أهلية جديدة، أو في تقسيم البلاد عمليا بما يعيدها إلى ما قبل دستور 1951. كذلك أصبح بيّنا أن المهندس الدبيبة يتعامل مع الوضع من منطلق سخريته المكتومة من المجتمع الدولي واعتقاده بأنه قادر على البقاء في السلطة لسنوات قادمة طالما أن لديه مفاتيح الثروة وختم العقود والصفقات وسلاح الميليشيات وأدعية الصادق الغرياني.