رأي

الكويت… صيف سياسي ساخن !

جاء في مقال للكاتب محمد الرميحي في صحيفة”الشرق الأوسط”:

ذهب الكويتيون إلى صناديق الانتخاب للمرة الثانية خلال ستة أشهر فقط لانتخاب ممثليهم في المجلس النيابي العتيد، وخلفهم أكثر من ستة عقود من «التجربة والخطأ» في هيكل ذلك النظام الانتخابي، التأم الاجتماع الأول للمجلس الجديد المكون من 49 رجلاً وامرأة واحدة، الثلاثاء 20 يونيو (حزيران)، في أجواء «غير صحية»، وبدا أن هناك ميلاً للثأر من «أجواء سياسية سابقة» أكثر منه رغبة في فتح باب جديد للسير قدماً في العمل السياسي الكويتي المتعثر منذ زمن.

مجموعة وازنة من الأعضاء اتفقوا (حتى قبل الاجتماع الرسمي الأول) على خريطة تشريعات اعتقدوا أن لها أولوية في العمل السياسي، وسرعان ما تفرقوا فوجدنا شلالاً من الاقتراحات التشريعية، بعضها متناقض، وأخرى باهظة التكلفة على الخزينة، الأمر الذي يفسر ما طرقناه كثيراً وهو «الفردية» في العمل البرلماني في الكويت المعطل للخروج من «عنق الزجاجة»، إضافة إلى أن تشكيل الحكومة أصاب الجمهور الكويتي بالإحباط، فهي تكونت من أفراد قادرين على العمل العام، وآخرين تنقصهم المقدرة والخبرة، أو قد فشلوا في ما أوكل إليهم في السابق، إلا أن هذا الملف يبدو قد أرجئ فتحه إلى وقت لاحق.

بعض الاقتراحات، حتى في «الأوليات»، هي لإرضاء الجو الشعبي العام، مثل توسيع التأمين الصحي لكل ربات البيوت! في بلد أصلاً العلاج متاح مجاناً للمواطنين، ما يشكل لو حدث عبئاً على الميزانية العامة التي يتراجع دخلها من النفط، وهي ظاهرة تشي بأن استنزاف الميزانية العامة لأفراد التشريع أقرب من العمل أو حتى التفكير في الذهاب إلى «مجتمع منتج».

انتخاب اللجان في الغالب حصل بالتوافق، وهي لجان برلمانية تقليدية عدا لجنة واحدة سميت «لجنة القيم»، ولا يعرف أحدٌ على وجه التحديد ما هي القيم التي سوف «تعمل» اللجنة على الدفاع عنها في مجتمع محافظ يحرص أفراده قبل غيرهم على اتباع الأخلاق الحميدة. والقيم كما نعرف نوعان: قيم ثابتة (وهي قليلة) وقيم متغيرة وهي في الأغلب تتغير مع تغير الزمان والحاجات الاجتماعية، على سبيل المثال فإن الكويتي العادي في الخمسينات كان يأنف أن يسكن في «بيت حكومي»، أما اليوم فأصبح هناك «زحام» على الحصول على هكذا منزل، تلك فقط واحدة من «القيم المتغيرة»، فعلى أي قيم يريد من وافق على إنشاء هذه اللجنة الحفاظ عليها؟ كما أن التصرف الشاذ يعاقب عليه القانون، مع العلم أن المجتمع التعددي، كما هو في الكويت، يحمل قيماً فرعية قد تكون مختلفة نسبياً بين فئة اجتماعية وأخرى!

ما كان الجمهور العام يتطلع إليه هو أن تنشأ لجنة «الرقابة الداخلية للمؤسسة المنتخبة»، وهي لجنة موجودة في كل المؤسسات المنتخبة في العالم تراقب سلوك الأعضاء، بخاصة من الناحية المالية، فليس جديداً ولا مفاجئاً في مسيرة العمل الديمقراطي الكويتي «إثراء البعض الفجائي والمتضخم»، قلتُ البعض وهو أمر معروف ومتداول على وسائل التواصل الاجتماعي لمن يريد أن يعرف، ورغم المطالبات الكثيرة بإنشاء مثل تلك اللجنة الرقابية الداخلية فإنها لم تخرج إلى النور، وذاك يترك ظلالاً من الشك والحيرة معاً. كما أن المستحق بشكل أكثر إلحاحاً هو لجنة برلمانية «تعمل على تنويع مصادر الدخل وقيادة التنمية) وهي من الاستحقاقات الملحة للمجتمع الكويتي!!

الكويت مجتمع ناقد، وأكثر النقد تسمعه في التجمعات غير الرسمية (الديوانية)، وهنا يتناقل الناس الخبرة المباشرة مع النظام الإداري المتعثر، وتسمع الكثير من الشكاوى التي تبيّن الوهن في العمل الإداري، خصوصاً في الخدمات، فالمسطرة الواحدة أبعد ما تكون عن التحقق، فالخدمة تمرّر أو لا تمرر ليس بناء على قانون في الغالب، ولكن على معرفة شخصية، كما أن النظام الرقمي الذي أنشأته الدولة يبدو أن مَن اتخذ قراره لا يتعامل معه، لأنه في أكثر الأوقات لا يعمل بكفاءة، لأن العاملين عليه لم يحصلوا على التدريب الكافي، أو تقل الرقابة عليهم إلا فيما ندر!

على الرغم من أن الأعضاء اتخذوا قراراً بتأخير العطلة الصيفية والعمل خلال 100 يوم (كما أعلن لإنجاز التشريعات المطلوبة)، إلا أن الأمر يحتاج ليس فقط إلى «تشريعات»، إنما إلى «متابعة» تطبيقها بإنصاف وحيادية وسرعة.

فالاقتصاديون في الكويت «يئنون» من بطء الإجراءات وتعقيدها وتعطيل الأعمال الحرة، والتربويون يشتكون من التدخل غير المقبول من بعض أعضاء التشريع في «قبول الطلبة»، وزيادة العبء التعليمي، وكذا في قطاعات مختلفة في أجهزة الدولة، كما أن تدخل المشرعين في إسناد «الوظائف» للأقرباء والأنصار، الأمر الذي يقلل إلى حد العجز من كفاءة الخدمة العامة ويعطلها، حتى وصل الجمهور العام إلى شبه قناعة «بأن بعض الأعضاء المنتخبين هم جزء من المشكلة وليسوا جزءاً من الحل»!

بصيص أمل يبدو من بعض الاقتراحات في المجلس الجديد، وهي محاولة لإصلاح هيكلي مستحق في العملية الانتخابية، منها اقتراح «القائمة النسبية»، وهي إن تحققت سوف تنقل العمل الانتخابي من الشخصانية إلى «الجماعية»، وهو أمر إن حصل يقود إلى شيء من ترشيد العملية التمثيلية، كما أن الحديث عن تخفيف بعض القيود عن الحريات العامة، التي فرضتها مجالس سابقة، وإنشاء المفوضية العامة للانتخابات، التي تتيح لانتخابات شفافة وعادلة، كل تلك الجهود (إن تحققت) قد تقود إلى مكان أفضل مما مضى من الممارسات، إلا أن الكلام ينتظر التنفيذ.

شهر العسل المتوقع بين الحكومة والمجلس قد يمرر الـ100 يوم الأولى، ولكن لا أحد يعرف متى ينتهي شهر العسل هذا، وعلى أي صعيد سوف يحصل الاصطدام والانتظار للشهور القليلة المقبلة، وسوف تنبئ إن كانت السفينة تبحر باتجاه المرفأ الصحيح (خدمة الناس وتحقيق المصالح العامة)، أم تضطرب كما كانت في السنوات الأخيرة، وتذهب إلى تحقيق المصالح الخاصة! ولكنّ الأمر بالتأكيد صيف سياسي ساخن.

آخر الكلام: على الطرفين الحكومة والمجلس النأي عن تقديم المصالح الخاصة لتحقيق المصالح العامة، التي في بعضها ليست شعبية، فالبحث عن الشعبية أمر قاتل لأي تجربة حكم وأي تجربة ديمقراطية… فالمجالس المنتخبة والحكومات تقُود… لا تُقاد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى